عقبة «شعار» في منطقة عسير، كانت فتحا حضاريا، ولحظة تاريخية، حين تم إنجازها قبل عشرات السنين، لتهبط قمم السروات إلى أعماق التهائم، في مشهد مسكون بالتحدي، وجبروت الطموح والانتصار للتخطيط الواعي والاستنهاض الصارم، ولكنها الآن دلفت إلى مرحلة الشيخوخة والعجز والهرم، إنها تمر باللحظة الحرجة، وتتحول إلى عبء وكارثة، ومصيدة قاتلة للبشر والأرواح البريئة، بما تثيره في النفوس من الرعب والخوف والمجهول، وما تشكله من معاناة واضطراب نفسي وقلق مدمر، واستحضار لكل صور التحولات من منظومات الإنجاز التنموي المؤثر، إلى الانكفاء والتعويق المضاد، فقد استهلكت أدوارها السابقة، وأصبحت حبيسة التشوهات والاعتلالات الضاغطة، فالعابر داخلها بين «مفقود ومولود» نظرا لضآلة المساحة التي يخترقها العابرون، وضيق أبواب النجاة، وما يمثله عبورها من مغامرة ومخاطرة وتضحية، عبر أنفاق تختنق بعوادم الشاحنات، ومنحنيات مخيفة وصعبة، وسفوح جبلية قابلة للانهيار مع الأمطار، لذا تمنيت أن تصدق تصريحات المهندس «هذلول حسين الهذلول» وكيل وزارة النقل للطرق، والمتحدث الرسمي للوزارة، حين قال قبل ثمانية أعوام «الطريق البديل لطريق شعار هو طريق الملاحة، آل مجمل، شعف الحارث وتضمنت ميزانية 1435/ 1436 دراسته وتصميمه بطول 100 كم، وسوف ينفذ إن شاء الله عند اعتماده». وكم هي قاتلة ومملة ومحبطة كلمة «عند اعتماده» فهي كما يقول العسيريون في أمثالهم «متى هذا الورق عيش؟». وبهذه المناسبة أقام رجل الأعمال «مشبب هدره» أمسية شعرية لشعراء الفصحى بوادي «تيه» بعد نجاته من حادث مروع في العقبة، هذا الوادي الذي تاه فيه بنو إسرائيل «أربعين عاما كما يقول» كمال الصليبي في كتابه «التوراة جاءت من جزيرة العرب» من خلال نظريته المتهالكة بكل ما فيها من مزالق، ومتاهات، ونسف للثوابت التاريخية، واستبدال للملفوظات اللغوية، وإصرار على أن الجزيرة العربية موطن التوراة، بما لا يستقيم مع العقل والمنطق، ولم يصدقه أحد في الكون والمعمورة، إلا صديقي الأديب»إبراهيم طالع«. نعود إلى الأمسية فقد بدأها صاحب ديوان «لهيب الأشعار في عقبة شعار» يقول فيها: قفوا وانظروا كيف هذا البشر....تهرول زحفا فأين المفر ؟ مواكب تسعى لأحلامها.... فيسحقها حتفها المنتظر هنالك طفل طواه الردى.... وشيخ تمزق في المنحدر أما صاحب ديوان «أوضح المسالك في النفق الهالك» فيقول: يا من نثرت العمر بين جبالها... هذي شعار فلا تسل عن حالها عصفت بك الأهوال بين دروبها... يغشاك هذا الرعب من أهوالها أكمل بعده صاحب ديوان «البكاء والعويل في عقبة العذاب والتنكيل»: شاحنات تشيب رأس الوليد.... حين تسعى كطائر من حديد أدركوها فساعة الصفر أضحت...قاب قوسا من الدمار الأكيد اختتم الأمسية صاحب الديوان المخطوط «نعيق الغراب في عقبة الموت والعذاب» حين قال: وزيرنا يا رعاك الله هل تدري... بما نعاني وما نشكو وما يجري تعال معنا ترى الأهوال تسحقنا...سحق الفراشات بين الطين والجمر