الذكاء في حد ذاته، موضوع معقد وشائك ومتغير. والتفكير فيه مشغل للعقل البشري من مدة طويلة، وسيشغلها حتى يفنى هذا الجنس عن وجه الأرض. ولذا، فإن علم النفس سعى لمحاولة تفكيك هذه العقد، وحاول دراستها ومعرفة الدوافع التي تحرك الإنسان في هذه الحياة لاتخاذ ما يراه مناسبا له من قرارات في مساراته. في ظل سعي العلوم الإنسانية لتسيير أمر البشر، ويقودها بالطبع علم النفس، وصلت نظريات الذكاء إلى حوالي الثمانية أنواع، وبعضهم يوصلها إلى تسعة. منها: نظرية العاملين، والتي تتحدث عن كيف يتم تحريك كافة القدرات العقلية الجيدة. وكذلك نظرية العوامل المتعددة، والتي يتفرع عنها الذكاء الاجتماعي، والذكاء المجرد. وأيضا نظرية الذكاءات المتعددة والتي جاء منها الذكاء المنطقي، والذكاء الحسي، والذاتي، والتفاعلي، وغيرها من الذكاءات. ومؤخرا شدّني كتاب للدكتور علي محمد عبدالوهاب اسمه (المدير الذكي) تحدث فيه عن علاقة الذكاء بالإدارة، وكيف أن الذكاء الإداري قادر على صنع منظمات ناجحة ومتميزة ورائدة، وذلك بالعمل على نوعية التفكير التي ينطلق منها المدير والإدارة العليا ككل. يرى الدكتور علي، أن الذكاء الإداري يرتكز على عدد من التساؤلات، وبمجرد فهم المدير للأجوبة على هذه الاستفهامات، سيصل إلى وضع إداري ذكي، يمكنه من إدارة أوضاعه بذكاء واتزان. التساؤل الأول: عن الشخصية؛ ما مدى نضج شخصيته؟ وكم نسبة السلبية في رؤيته للحياة؟ وكذلك ما مدى قدرته على التعامل بالتبعية أو الاستقلالية؟ وكيف ينظر إلى الأوضاع في منظمته؟ وهل يهتم للمدى القصير أو البعيد؟ التساؤل الثاني: عن الدوافع؛ ما هي الحاجات التي يحس بعدم التشبع بها، ومن ثم هو يعمل في هذه الإدارة من أجلها؟ هل لديه تصور عن المشاعر الداخلية التي تحركه نحو أهدافه؟ هل تغيرت احتياجاته في وجوده في العمل الإداري، وما نسبة هذا التغير؟ هل يعاني من إحباطات سابقة، ويحاول الإفلات من الوقوع في أوحالها مرة أخرى؟ التساؤل الثالث: عن الإدراك؛ كيف يدرك الواقع من حوله، هل هو واعٍ ومستوعب، أم منفصل؟ ما هي نظرته في العلاقة التي تحكمه برؤسائه ومرؤسيه؟ كيف ينظر للنجاح والتميز؟ ما العوامل التي تؤثر على تفكيره وإدراكه؟ التساؤل الرابع: عن الاتجاهات؛ ما هي وجهات نظره في علاقاته مع الحياة الوظيفية من حوله؟ كيف ينظر للأشياء في معاملاته وتعاملاته؟ كيف يمكن له ملاحظة السلوكيات الخاطئة التي يتخذها؟ وكيف يتعامل مع تأثيراتها وارتداداتها؟ التساؤل الخامس: عن القيم؛ هل لدى المدير قيم يتوقف عند حدودها؟ هل تؤثر فيه قيم التعاون والتكامل، أم يستمتع بقيم الفردية والعمل المستقل؟ هل يستطيع أن يتبنى ويدافع عن قيم لثقافات أشخاص يعملون معه ليس بالضرورة أن يكونوا من بيئته وثقافته نفسها؟ هل يمكن له أن يميز أثر العمر والتقدم بالسن على قيمه التي يتبناها؟ صديقي المدير، هذه استفهامات وأسئلة يتوجب عليك أن تقرأها بهدوء ودون انفعال، ومن ثم تحاول أن تجاوب عليها بينك وبين نفسك، وكن واثقا تمام الثقة أن إجاباتك لن تكون مطابقة على من هم حولك من المديرين والرؤساء، وأكثر من ذلك؛ أن إجابتك سوف تتغير لديك بتغير مراحل عمرك ودوافعك أو اتجاهاتك أو إدراكك. ولذلك بحثك الدائم حول هذه الاستفهامات والأسئلة سيجعلك مديرا ذكيا يمكن له العمل والتعامل مع الأطراف والبيئات والأماكن كافة.