لطالما اعتقدوا في صغري أنني إنسانة واعية، مزاجية، أعطي الأمور أكبر من حجمها المعقول. لم يكن أحد يعلم بفهمي أدق التفاصيل حولي كردة فعلهم الصارخة عند طلبي قطعة حلوى للمرة الثالثة بحسن نية، للاستمتاع بالمذاق الذي يأخذني لعالم السعادة الأبدية، أو كملاحظتي ارتباك أخي عند حصوله على درجة متدنية، أو نهوض أمي في الثالثة فجرا بلا سبب وجيه. لم يكن أحد يعلم بأني أنا من وضع الأشياء بمكانها الصحيح عند نهوضهم. لم يكن أحد يعلم بأني أنا من وضع السكر عند خروجنا لنزهة، أني من مسح دمعي عند خوفي الليلي من وحش السرير الأسود. لم يكن أحد يعلم ولن يعلموا أبدا. (أنا فقط) دقيقة يكاد أن يكسر قلمي من هول الإحساس المتراكم. تتقابل أحداث يومي عند الكتابة، لتكون أول الحاضرين في سطور المأساة الأولية، وتمتلأ الورقة البيضاء بخطوط عرجاء سوداء مغلظة، وتنتهي الورقة بنقطة عالقة بين «خيارين»!.. إما الإكمال إلى الأبدية أو كتم الشعور داخليا، والخيار الثاني وارد بكثرة!. أمامي لوحة سوداء محتواها مجهول.. عند التركيز بعمق سترى لمعان الأطراف وحدتها، وعند النظر إليها من مسافة بعيدة سترى قسوة اللون داخلها ونقطة بيضاء تتوسطها.. في «النهاية» أيقنت أنها أنا.. لمعان عيني وحدتها، قسوة مشاعري وقلبي تتوسطها.