وافق يوم 18 من ديسمبر اليوم العالمي للغة العربية، حيث تُعد اللغة العربية من أقدم اللغات التي استخدمها الإنسان، منذ أنْ خُلِقَ آدم عليه السلام حتى يومنا هذا، فهي اللغة المستخدمة بين الخالق عز وجل وبين أنبيائه ورسله، قال الله تعالى: {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ} «35» سورة البقرة، لذا فإنَّ اللغة العربية تستمد قوتها من أكثر من جانب وهي كما يأتي: أولاً/ تستمد اللغة العربية قوتها من حيث إنَّ أول كلمة نزلت على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هي باللغة العربية كما في قوله تبارك وتعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}. ثانياً/ تستمد اللغة العربية قوتها من حيث إنها لغة الدين، كما في قوله تبارك وتعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} «2» سورة يوسف. ثالثاً/ تستمد اللغة العربية قوتها من حيث إنها تعبر عن ثقافة مستخدميها في معظم البلدان العربية والإسلامية، لأنَّ الثقافة هي ذلك الكل المركب الذي يشمل الدين واللغة والفن والعادات والتقاليد..إلخ لتُعبِّر عن أسلوب حياة الإنسان، مع التأكيد هنا بأنَّ أهمية اللغة العربية تتعدى كونها وسيلة التخاطب بين الناس، أو لنقل الثقافة من جيل إلى جيلٍ آخر فحسب، إلى أنها مصدر للثقافة والحضارة والأفكار عند الناس. رابعاً/ تستمد اللغة العربية قوتها من حيث إنها اللغة التي استخدمها علماء المسلمين القدامى أمثال: ابن سينا، الغزالي، ابن خلدون، الجاحظ.. إلخ، فامتلأت أرفف المكتبات بمؤلفاتهم المحملة بآراء ونظريات تربوية وعلمية، والتي استفاد منها المسلمون وغير المسلمين في العلوم المختلفة. خامساً/ تستمد اللغة العربية قوتها من حيث إنها لغة آبائنا وأمهاتنا وأجدادنا، الذين نفخر ونعتز بهم، مارسوا حياتهم الطبيعية بلغة عربية سهلة وواضحة، وتناقلوها عبر الأجيال فهي تُمثِّل تاريخاً للبشرية في مجتمعٍ ما. كما أنَّ المتتبع لحياة الصحابة والتابعين، يجد بأنهم كانوا يؤكدون على تعلم واستخدام اللغة العربية في حياتهم اليومية، ومن ذلك ما يأتي: أولاً/ يقول عثمان المهري: أتانا ونحن في أذربيجان كتابٌ من عمر بن الخطاب رضي الله عنه كُتِبَ فيه: «تعلموا اللغة العربية فإنها تُثبِّت العقل وتزيد في المروءة». ثانياً/ يذكر زوج بنت الإمام الشافعي رحمه الله بأن الشافعي كان يقول: لقد تبحرت في اللغة العربية عشرين سنة لكي أتقوى بها لفهم القرآن الكريم والسنة النبوية. ثالثاً/ كان علماء الدين يقولون: «من تكلم في الفقه بغير لغة تكلم بلسان قصير». ومما ينبغي التوكيد عليه هنا بأنَّ عامل اللغة العربية لم يكن مظهراً من مظاهر العروبة فحسب، وإنما كان مظهراً من مظاهر الإسلام، لذا ارتبطت اللغة العربية بالهوية الإسلامية، ولعل مقولة البيروني الشهيرة وهي: «للهجو بالعربية أحب إلي من المدح بالفارسية» أوضح معنى للانتماء الديني من خلال اللغة العربية التي تخالف لغته القومية لأنه فارسي. إنني هنا آمل بأنْ يتحدث الإنسان العربي بلغته العربية، في مجتمعه أو في أي مجتمع عربي آخر، لأنَّ هذا يُعد أسلوباً صحيحاً ويُعبِّر عن مدى فخر واعتزاز هذا الإنسان بهويته العربية وثقافته، فنحن لا نُريد طمس هويتنا وثقافتنا بسبب بعض السلوكيات من بعض أفراد المجتمع، لأنها تُشكِّلُ لنا إرثاً قوياً يحقُّ لنا أن نعتز به، كما لو أنك زُرت دولة اليابان مثلاً ورأيت أفراد المجتمع الياباني يتحدثون بلغتهم فيما بينهم، ما يجعلك تكتشف بأنَّ الشعب الياباني يعتز بهويته وثقافته. ختاماً.. التقيد باستخدام اللغة العربية ليس من أجل الحديث بها فحسب، بل لأنها تُعبِّر عن هوية وثقافة وحضارة ودين من يتمسك بها، فهي مصدر قوة لصاحبها.