توقع جمع من مثقفي وأدباء ومؤرخي منطقة عسير أن تشهد الساحة الثقافية انفراجاً، بعد ظهور وثائق تخص العلامة الشيخ أحمد بن عبدالخالق الحفظي، وذلك بعد أن اتفق قطبا أسرة آل الحفظي من محافظة رجال ألمع، وهما: كل من مدير تعليمها السابق عبدالخالق سليمان الحفظي، والشاعر علي الحسن الحفظي على التعاون مع المهتمين والباحثين في تراث أحد أبرز رجالات المنطقة، الذي عاش في النصف الثاني من القرن ال13 الهجري والعقدين الأول والثاني من القرن ال14. وشهد مركز آل زلفة الثقافي والحضاري الأحد الماضي جدلا بين آل الحفظي، وعتبا بينهما لاحتفاظ كل منهما منفردا بجزء من موروث جدهما، لكنهما اتفقا أخيرا على التعاون بينهما ومع الآخرين في تزويد كل مهتم بما تكتنزه مكتبتاهما من تراث. ولفت مؤسس مركز آل زلفة الثقافي والحضاري الدكتور محمد آل زلفة في تقديمه للندوة إلى أن العلامة الراحل عاصر أهم فترة في تاريخ عسير الحديث، إذ لم يكن معاصرا فقط بل كان مشاركا في صناعة تاريخ تلك الفترة، وكان كاتب الدولة العسيرية الأول، ولسان حالها بشعره المتدفق، مؤكدا أنه لم يمر حدث له أهميته إلا خلده شعرا، وفي ذات السياق كان لأمراء الدولة ناصحا سياسيا. يشير آل زلفة إلى أن المحتفى به آل به المقام منفيا إلى إسطنبول ومن ثم إلى مقدونيا، وأن الشيخ كان إبان قوة دولة عسير عظيما، واستمر كذلك، إذ لم تغب عسير عن قلبه ومشاعره فسطر في تأريخها واعتزازه بماضيها وعظمة سكانها أروع القصائد الشعرية التي ما يزال معظمها - إن لم يكن جميعها - متناثرا في طيات ما تركه من إرث ثقافي تمثل في مخطوطات تفرقت بين أيدي العديد من أسرته وغيرهم ومنها ما هو محفوظ في مكتبات إسطنبول، ولم ينشر منه إلا ما يوازي 2%، والمحتفى به فسر القرآن الكريم كاملا وله مؤلفات في الفقه والحديث والتاريخ. وفيما أدار الندوة عميد شؤون المكتبات في جامعة نجران الدكتور سعد الحميدي طالب المحاضرون من آل الحفظي والحضور الالتزام بالوقت لكن ذلك لم يتسن له لتشعب المحاضرة وغزارة المادة المتوفرة مع كل منهما على حدة. من جهته، أكد عبدالخالق الحفظي أنه نقب كثيرا في موروثات الراحل وسافر إلى إسطنبول، لكنه قابل عوائق عدة منها إحجام المكتبات التركية عن التعاون معه، لافتا إلى تميز التعاون المثمر بينه وبين دارة الملك عبدالعزيز، مثمنا دورها في ترميم بعض الوثائق التي يمتلكها ومنها اعتراف الدولة العثمانية بأن الراحل أحد أبرز القضاة ليس في منطقة عسير فحسب بل يمتد ذلك إلى مناطق نفوذ العثمانيين، وأنه يؤيد ما ذهب إليه آل زلفة من تكوين فريق عمل يعنى بجمع تراث العلامة أحمد الحفظي، خصوصا أنه حفظ كتاب الله على يد والده، ودرس علوم الفقه والتاريخ على يد أعمامه، وسافر إلى اليمن ليدرس التفسير على يد علمائها، ثم اتجه إلى مكةالمكرمة. وتابع عبدالخالق "أسره العثمانيون إلى إسطنبول عطفا على مكانته البارزة في عسير، وتأثيره البالغ على سكانها، وكان بمعيته عدد من مشايخ وأعيان المنطقة، وتولى قضاء أدنة التركية، وساهم في قيادة بعض الجيوش التركية إلى قبرص وحدود روسيا، وأصيب في إحدى المعارك، ورفض أن يعود إلى مسقط رأسه إلا بصحبة جميع من أسر معه، وحاول الأتراك أسره مرة أخرى نظرا لتأليبه القبائل على الانقلاب على الحكم العثماني، إلا أنهم لم يتمكنوا، فأسروا أحد أبنائه وهو عبدالقادر". ومما يذكره عبدالخالق أن العلامة الحفظي تزوج تركية وأنجب منها ولدان وبنتان، في حين أن بعض المكتبات التركية تزخر ببعض مؤلفاته وأحكامه القضائية، ومن أشهرها ما خطه بيده مفسرا للقرآن الكريم في ثلاثة مجلدات، فضلا عن وجود ديوان شعري تحت عنوان "المرضي". ومن المفارقات التي رواها الحفظي عن جده رواية أحد أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم بسند متواتر، في حين أن هناك من أجداد آل الحفظي الأوائل من أسهم في وضع حجر الكعبة مع ابن حجر العسقلاني. المحاضر الشاعر علي الحفظي أشار إلى أنه تردد في الكتابة عن ذلك العلم لعدة أسباب منها أن مصادر البحث شحيحة ومعقدة والسبب في نظره أن تراثه ومؤلفاته ربما بقيت في مكان أسره، وعندما عاد طليقا لم يستطع أن يحمل معه كل مؤلفاته، واكتفى بما سهل حمله ولعل ما بقي كان بأمر من الخلافة العثمانية. من جهته، يشير علي الحفظي إلى أن الدكتور عبدالله الحامد عده في كتابه "الشعر في ظلال حركة الشيخ محمد بن عبدالوهاب" من المبدعين شعرا، وأن ما وصل من شعر الشيخ يؤكد تميزه، وكان يقصر شعره على معاناته في الغربة، وشوقه إلى أهله عبر مطولات وموشحات يكتبها لهذا الغرض، وأنه كان مهتما بالشعر الوعظي على غرار ما اهتم به في تشطير البردة، حيث ذكر الدكتور أبوداهش أن الشاعر قد سعى في تبديل بعض ألفاظ البردة عند التشطير في بعض الأحيان مما يشير إلى اعتداله.