لا شك أن الموت حق، وهو كأس الكل واردها، فالدوام لله وحده الحي الذي لا يموت و(ما أحد مخلداً في هذه الدنيا) كما كان يردد فقيدنا الكبير وفقيد الوطن والأمتين العربية والإسلامية والعالم أجمع، صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود، رحمه الله وجعل الجنة مثواه، في كل مرة كان يزور فيها أسر شهداء الواجب في مختلف محافظات بلادنا ومناطقها ومدنها وقراها، فيحضر مجلس العزاء ويقبّل الصغار، ويتفقد أحوال أسرهم، فيأمر بقضاء ديونهم وتأمين مساكن لهم واستيعاب أبنائهم وإخوتهم في القوات النظامية، والاستجابة لجميع متطلبات الأسرة، فلا يغادر مجلساً لعزاء في شهيد إلا وقد تحولت دموع الحزن الحارة إلى دموع فرح، تكون برداً وسلاماً على أهل الشهيد وأبنائه وذويه. وصحيح.. الإنسان ليس سلعة يمكن شراؤها بالمال، حتى إن كان ذلك بكنوز الدنيا كلها، لكن نايف بمنهجه هذا، كان يؤكد للعالم كله أننا دولة رعاية وعناية ووفاء، تهتم بشأن مواطنيها كلهم، وترى لزاماً عليها مكافأة أولئك الذين دفعوا أرواحهم ودماءهم مهراً غالياً لأمننا واستقرارنا ورخائنا وقوة لحمتنا الوطنية، وترسيخ كل قيم العدل والمحبة والمساواة في مجتمعنا.. فليس أقل من أن ترعى الدولة أسرهم. هذا الأمن الراسخ الذي كان أهم شيء يشغل ذهن المؤسس الملك عبدالعزيز آل سعود، أصبح سمة أساسية من سمات بلادنا الطيبة المباركة، ولهذا اهتم أبناؤه من بعده بالمحافظة على الثوابت ذاتها التي حددها المؤسس طيب الله ثراه، وأكد عليها. لأن الأمن عماد الاستقرار والاطمئنان، وبالتالي العمل والإنتاج وتحقيق تقدم الشعوب ورخائها وازدهارها، ليس هذا فحسب، بل ومشاركتها في رخاء البشرية كلها. وليس ثمة شك أن تحقيق الأمن والاستقرار في هذه البلاد، نعمة عظيمة، ندين بها للحق سبحانه وتعالى، ثم لجهود نايف بن عبدالعزيز، رجل الأمن الأول على مدى عقود عديدة من العمل الجاد والفكر الخلاق والسعي الدؤوب لمصلحة الناس والمحافظة على حياتهم، وحماية البلاد من عبث المأجورين والفئات الضالة، حتى غدا الأمن رديف اسمه، فلا يذكر أحدهما إلا يذكر الآخر، لكن لا يمكن لأحد اختزال حياة هذا الرجل وعطائه الثر، في ملف الأمن الذي يعد بحق أبرز إنجازاته، وهي كثيرة تجل عن الوصف، فقد رأينا وسمعنا وشهدنا له بمهمات عديدة وملفات كثيرة، كان يضطلع بها في الشأن الداخلي والمحلي والإقليمي والعالمي، في شتى الموضوعات ومختلف الاهتمامات التي توظف لخدمة الإنسان ورفع الضر عنه وتمكينه من ممارسة حياته بنفس مطمئنة، تحقيقاً لمشيئة الخلافة في الأرض. ويكفينا فخراً أنه اختير رئيساً فخرياً لمجلس وزراء الداخلية العرب مدى الحياة، وبفضل جهوده صار هذا المجلس من أنجح المجالس الوزارية العربية. والحقيقة، لم أعرف طيلة حياتي وزير داخلية، مع صادق احترامي للجميع، اضطلع بمسؤوليات وتولى إدارة ملفات متعددة، شملت: الإعلام، والأمن الصناعي، والقوى العاملة، والتنمية البشرية، وحماية البيئة وإنماءها وحتى السياحة، فضلاً عن الحج والعناية بحفظة كتاب الله الكريم ورعاية السنة النبوية والتشرف بتخصيص جائزة لها، وغير ذلك كثير مما يصعب حصره في مقال سريع كهذا. إننا نعرف للرجل الكثير من أعمال الخير والبر والإحسان، بجانب واجباته الرسمية، غير أنني حقاً ذهلت من كل تلك الإنجازات العظيمة والمساعدات الكثيرة والخدمات الجليلة التي أفصح عنها المستفيدون منها، دولاً ومنظمات وأفرادا، وهم يتحدثون عن فقيدنا الكبير بعيون باكية وكلمات صادقة تخنقها العبرات والحزن على رحيله. فليس عجباً إذن إن حاز سموه كل تلك الأوسمة والأوشحة والنياشين وشهادات الدكتوراة الفخرية من أكثر من جامعة عالمية مرموقة، ومع هذا كله، كان يردد دائماً: إن حب الناس هو أغلى تاج على رأسي وأسمى وسام يزين صدري. فالحمد لله المنعم الوهاب، الذي جعل فينا سلمان، فانبرى للمسؤولية الجسيمة رغم الفواجع والأحزان، فما كادت الدموع تجف إثر رحيل سلطان.. أمير الخير والإحسان، حتى لحق به نايف الإنسان، الذي شارك سلمان في حمل العبء الذي تركه غياب سلطان.. واليوم ينبري من بين الصفوف أبو فهد لحمل كل هذا العبء الثقيل من المسؤوليات الجسام. وكلنا ثقة إن شاء الله في شخصية سموه الكريم، فهو أيضاً مثل إخوته الكرام نال حظه من خصال عبدالعزيز الحميدة، وسجاياه الكريمة، وحفظ وصاياه، وعقد العزم على الاضطلاع بدوره الريادي في مواصلة مسيرة عبدالعزيز، فجاء لهذه المسؤوليات يحمل سجلاً ناصعاً من النجاحات والإنجازات، ترفدها شخصية كارزمية مطلعة ومثقفة ومحبوبة، سكنت قلوب الجميع. ولهذا نبايعه اليوم بنفس مطمئنة وثقة تامة، ونشد على يديه الكريمتين معاهدين على الولاء والوفاء والإخلاص، والطاعة. أما خليفة الفقيد الكبير في قيادة دفة وزارة الداخلية، شقيقه صاحب السمو الملكي الأمير أحمد بن عبدالعزيز آل سعود، فقد كان الساعد الأيمن لنايف في حمل العبء منذ لحظة تعيينه نائباً لوزير الداخلية، بل قل منذ اللحظة التي عينه فيها الملك فيصل، نائباً لأمير منطقة مكةالمكرمة، أخيه الأمير فواز بن عبدالعزيز، فهو أيضاً مثل إخوته الكرام ضليع في علم الإدارة ومتمرس في حمل المسؤوليات والاضطلاع بالمهمات الجسيمة، حريص على خدمة عقيدته ومليكه ووطنه ورعاية مصالح شعبه.