إذا قلت إن إيماني بصدقك وأمانتك ونزاهتك لا تشوبه شعرة من شك ولا تغشاه ذرة من ظن، ثم أقول إني لا أصدق أكثر ما تقوله، فإما أن أكون أحمق أو أن بي مسّاً من خَبال! العاقل لا يناقض ذاتَه ولا يخالف أقواله في آن واحد فيفضح نفسه بنفسه. قبيل الحجر الصحي سمعت مسلما بالغا راشدا يقول في مجلس إنه لا يأخذ بما قاله سيد الناس عليه الصلاة والسلام لكنه يأخذ بالقرآن، وأنه سمع الناس يصفونه وأمثاله بأنهم القرآنيون! قلت: حاشا للكتاب الحكيم أن يُنسب إليه أحد يقول قولك، فالقرآن أعظم من أن ينتسب إليه من لا يؤمن به، رد بعدما تغير وجهه: أتشك في إيماني بالقرآن؟! جدال مع مثل هذا مضيعة للوقت والعقل ويجعل لكلامه شأنا، لأنه جهل بالحياة قبل جهله بالقرآن. غابت عنه أصول التفكر والمنطق، وافتقر إلى الحس السليم قبل أن يفتقر إلى العقيدة السليمة، فمن الذي بلغنا بالقرآن؟ ذلك البالغ الراشد يقول إنه يأخذ بكلام نقله رجل عن الله جل جلاله، ثم يقول إنه لا يأخذ بكلام هذا الرجل المؤتمن المصدوق! هل تجادل مثل هذا؟! فأين المنطق قبل الإيمان؟ يؤمن بكلام اسمه القرآن على لسان رجل، ولا يؤمن بكلام ليس اسمه القرآن من الرجل نفسه! بشكه هذا كيف صدق وجزم بأن بعض كلام الرسول قرآن فيأخذ به، وبأن بعض كلامه ليس بقرآن فيعرض عنه؟ بم ميز هذا من ذاك، وكل الكلام من رجل واحد؟ أي خلط هذا وأي عبث؟ أقول هذا ولا حاجة لأن أسرد ما في القرآن عمن أوصله للناس سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا معروف عند من يؤمن به حق الإيمان. وإن رفض امرؤ أقوال وأفعال من جاءنا بالقرآن، فما حاله مع الصلاة - مثلا - ولم تذكر بتفاصيلها في القرآن، من أول الأذان لها وحتى الانتهاء منها؟! الأدلة لا تحصى، وهي أوضح وأرقى من أن تُسرد لمن غلف قلبه الشك في الأسس، وحاشا للقرآن العظيم أن ينتسب إليه من يجهله.