التعصب هو الانحياز التحزبي إلى شيء من الأشياء: فكرة أو مبدأ أو معتقد أو شخص، إما (مع) أو (ضد)، والتعصب للشيء هو مساندته ومؤازرته، والدافع عنه والتعصب ضد الشيء هو مقاومته، وقد يمتزج الأمران في فعل التعصب الذي يتجلى فيه التهور والتحمس والعنف معا، ويتضح عنصران بارزان في التعصب، أحدهما إيجابي، والآخر سلبي، الأول هو اعتقاد المرء بأن الفئة التي ينتمي إليها أسمى وأرفع من بقية الفئات، والآخر هو اعتقاده بأن تلك الفئات أحط من الفئة التي ينتمي إليها ويرتبط مفهوم التعصب ذاته في أذهان الناس أكثر بالجانب السلبي، فالتفسير الحديث للمتعصب هو ذلك الذي يحتقر فئة معينة أو يتحامل عليها، فالتعصب هو في أساسه نظرة سلبية إلى الغير، والمتعصب يتجه إلى تحقير الآخرين وإلحاق الضرر بهم أكثر مما يميل إلى تأكيد مزاياهم الخاصة، أو الحصول على كسب منفعة خاصة. والتعصب يظهر في مجالات متعددة أهمها الدين والفكر والسياسة والقومية، وله في كل مجال نتائج شديدة الخطر. فالتعصب في الدين يؤدي إلى اضطهاد العلماء والجمود، وفي الفكر يؤدي إلى الدوغماطيقية والمذاهب المطلقة والمغلقة، بينما التسامح يؤدي في المقابل إلى الحوار والمذاهب المفتوحة، هذا على مستوى الفرد، وعلى مستوى الدولة يؤدي التعصب إلى تكوين أيديولوجيات لا تقبل إلا مبادئها وترفض غيرها من أيديولوجيات، وهذا تبعا يؤدي إلى الصراع الأيديولوجي والحروب، وفي مجال السياسة يؤدي التعصب إلى الدكتاتورية والاستبداد، والتعصب الجنسي أو العرقي يؤدي إلى تحقير جنس لآخر كما في أسطورة رينان عن تفوق الجنس الآري على السامي، التي هي أكذوبة علمية تهبط بالعقلية السامية (بما فيها العربية) مقابل الإعلان من ذكاء وتفوق الجنس الأوروبي. يعد موقف فولتير Voltaire 1694 – 1778 أبرز مفكري القرن ال18، دفاعا عن التسامح ومحاربة التعصب، وتتجلى أهم جهوده في حملته المنظمة على الخرافات، وذلك حينما أضحى الاضطهاد فضيحة في بلاده فهاجم الكنيسة الكاثوليكية أينما وجدها بالسخرية والهجاء، وكتب كتابا بعنوان «مقبرة التعصب» 1736، ونشره 1767، يقول فولتير في «القاموس الفلسفي»: «إن التعصب هوس ديني فظيع، مرض معدٍ يصيب العقل كالجدري، وهؤلاء المتعصبون قضاة ذوو أعصاب باردة يحكمون بالإعدام على الأبرياء الذين لم يفكروا بنفس طريقتهم: ولا يوجد علاج لهذا الداء المعدي إلا الروح الفلسفية التي بانتشارها شيئاً فشيئاً تتهذب أخلاق البشر وتتحاشى التطرف، وليس القوانين، ولا الدين بكافيين لمكافحة هذا الطاعون الذي يصيب النفوس، فالدين لا يعتبر دواء شافيا، بل يتحول إلى سم ناقع في الرؤوس المصابة بالتعصب، والقوانين عاجزة كل العجز أمام المتعصبين، فهم مقتنعون أن روح القدس تتمثل فيهم وهم فوق القوانين، وليس من قانون إلا من حماسهم وتهورهم. فما الذي يمكن قوله لشخص هو على يقين من دخول الجنة حين قتلك ويقتلني. إن الروح الفلسفية تضفي على النفس السكينة، أما التعصب فعلى العكس من ذلك ضد السكينة، والتسامح هو قوام الإنسانية لأننا كلنا خطاؤون، وهذا أول قانون للطبيعة... الشقاق هو أكبر شر يصيب الجنس البشري، والتسامح دواؤه. وقد صاغ الفيلسوف الألماني لسنغ Lessing 1729 – 1781 في مسرحيته «ناتان الحكيم» 1778، بشكل أدبي فكرة التسامح بين الأديان، وذلك عن طريق العمل الصالح وليس بالتعصب الأحمق، وصار هذا العلم مثلا يضرب في التسامح.