يعاني كثير من مجتمعات اليوم من إشكاليات التفكك العائلي والاجتماعي، حتى مع بقاء الزوجين في بيت واحد.. وذلك بسبب المشاكل المستعرة بين الزوجين أولا، وبسبب المساوئ الناجمة عن ضعف آليات التربية للأبناء داخل الأسرة، وغياب الدور الاجتماعي في التحصين من جهة أخرى، حيث تنعكس تداعيات كل تلك العوامل سلباً على تماسك الأسرة، إضافة إلى انعكاساتها الضارة على تماسك المجتمع. ولعل تداعيات العصرنة الصاخبة بما أفرزته من وسائل الاتصال الرقمي، على كل إيجابياتها، وانغماس الجيل، آباءً وأبناءً، في فضائها بشكل مقرف، وما تركته من عزلة موحشة بين أفراد العائلة، وداخل أفراد الوسط الاجتماعي العام، زاد الطين بلة، وعمق حالة التفكك، ووسع الفجوة بين الناس، وألغى ترادف الأجيال بين الناشئة والسلف، مما عطل نقل الخبرة بالاتصال المباشر، وجفف ألق التفاعل بالحضور الوجاهي الحقيقي، وبلّد مشاعر المودة والحس الجمعي المرهف، وأضعف صميمية العلاقة الحميمة التقليدية، بين أفراد الأسرة ببعضهم بعضا، وبين أفراد المجتمع من جهة أخرى. ولذلك يتطلب الأمر الحرص على تقوية الوازع الأخلاقي، وتقوية الوازع الديني لدى الأجيال بقصد التحصين، على قاعدة (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)، وذلك لغرض النأي بهم عن مسارات التسيب، والانحلال، التي قد يتيهون في مساربها، من خلال الانغماس في مواقع التواصل الرقمي الضارة، وبالشكل الذي يضمن وحدة الأسرة، ويعزز تماسك المجتمع، ويديم أواصر التواصل الاجتماعي الحقيقي المباشر وجها لوجه، ويحد من ظاهرة العزلة الموحشة. كما يتطلب الأمر التوعية من خلال المجتمع، والمدرسة، والإعلام، والمهتمين بالأمور التربوية، للارتقاء بمستوى ثقافة الآباء والأبناء، والحرص على تعميق ثقافة تماسك الأسرة والمجتمع بين الأجيال، فكرا وممارسة.