اهتم المجتمع الدولي منذ عهد طويل بالعمل والعمال، فظهرت منظمة العمل الدولية عام 1919، ثم تحولت إلى وكالة متخصصة تابعة لمنظمة الأممالمتحدة عام 1946، وقد وضع على كاهلها صياغة المعايير الدولية المتعلقة بالعمل في ظل ظروف وبيئات متغيرة، وقد شكلت تلك المعايير نبراسا لحق العمل دون تمييز، وترتيب جملة من الحقوق المتعلقة بعدد من المجالات منها السلامة والصحة المهنية، وحماية الفئات الخاصة من العمال والضمان الاجتماعي وحماية الأجور وغيرها، كما تضمن الإعلان المئوي لمستقبل العمل لعام 2019 إرشادات العمل اللائق في ظل الأزمات، قد وضعت مسارات متعددة لبناء القدرة على الصمود في ظل الأزمات مبنية على احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون ومعايير العمل الدولية. ومما لا شك فيه أن انتشار فيروس كورونا المستجد Covid 19 قد خلف آثارا سلبية كثيرة على أوضاع العمل والعمال حول العالم، حيث تشير تقديرات منظمة العمل الدولية إلى إمكانية فقدان 25 مليون وظيفة في العالم نتيجة تفشي الوباء، حيث دفع انتشار الوباء دول العالم إلى اتخاذ تدابير وقائية واحترازية تضمنت غلق المدارس والجامعات وحركة الطيران والبضائع وتوقف قطاعات السياحة والنقل وغيرها باستثناء قطاع الصحة، وفي الوقت نفسه انتعشت قطاعات إنتاج وبيع المعقمات وأدوات الوقاية والصيدلة وغيرها، ولجأت العديد من الشركات إلى وقف كلي أو جزئي لنشاطها، وتسريح العمال أو إجبارهم على أخذ إجازات دون راتب وغيرها من الممارسات التي جارت على حقوق العمال. ومن هنا يمكن التطرق إلى محورين مهمين يتمثلان في الآتي: المحور الأول: معايير العمل الدولية المتعلقة بحقوق العمال خلال الأزمات: (1): الحوار الاجتماعي: تم التأكيد على أهمية الحوار الاجتماعي خلال الأزمات من أجل تحقيق الانتعاش الاقتصادي ودعم قدرة الأفراد والمؤسسات على الصمود، (توصية منظمة العمل الدولية رقم 205 لسنة 2017)، حيث أبرزت عدة مبادئ في مقدمتها منع فقد الوظيفة والمحافظة على مستوى الدخل، وتأسيس عدالة وفقا لاتفاقية سياسة العمالة رقم 122 لسنة 1964. وفي حال تعليق العمل لأسباب تتعلق بالسلامة والصحة، أوجب على المؤسسات وغيرها تقديم إعانات بطالة أو مساعدات تعويضية للعمال وفق نص المادة (10) من اتفاقية النهوض بالعمالة والحماية من البطالة رقم 168 لسنة 1988. كما أكدت المادة (4) من اتفاقية إنهاء الاستخدام رقم 158 لسنة 1982 على أنه لا يمكن إنهاء استخدام عامل إلا بوجود سبب صحيح يرتبط بمقدرة العامل أو سلوكه أو يستند إلى مقتضيات تشغيل المرفق، ولا يشكل التغيب المؤقت عن العمل بسبب مرض أو مسؤوليات عائلية سبباً مشروعاً لإنهاء الاستخدام، أما في حال الفصل الجماعي لأسباب اقتصادية فطالبت المواد (13, 14) من الاتفاقية نفسها من أصحاب العمل بتزويد العمال بالمعلومات والقواعد المتخذة للتخفيف من آثاره. وفي مثل هذه الظروف تدفع الأجور دوريا، وفي حال إنهاء عقد الاستخدام تجري تسوية للمستحقات خلال مرحلة زمنية معقولة. ولقد كانت الإجراءات الاحترازية ومعدات الوقاية خلال العمل موضع اهتمام من قبل اتفاقية السلامة والصحة المهنيتين رقم 155 لسنة 1981، والتي ألزمت صاحب العمل بتوفير حد ممكن ومعقول من ملابس الوقاية والمعدات دون تحميل العامل أي تكلفة، كما يوفر التدريب والمعلومات المناسبة حول السلامة وطرقها، وإشراكهم في الرأي فيما يتعلق بالتدابير الخاصة بالتعامل مع الأزمة أو حالات الطوارئ والإبلاغ الفوري لمفتشي العمل عن أي حالات أمراض مهنية تظهر. وعلى العمال معاونة صاحب العمل أو المؤسسة في تطبيق التدابير الاحترازية، وفي حال إصابة العامل بعدوى خلال مباشرة عملة أعتبر من الأمراض المهنية ويحق له التعويض النقدي والرعاية الطبية وإجازة مرضية، ويجب أن يحظى بإعانات نقدية. وتوصي المعايير المعتمدة من قبل منظمة العمل الدولية بالمرونة في حالات الطوارئ الطبية فيما يتعلق بعدد ساعات العمل، حيث سمحت للهيئة المختصة بتحديد تلك الظروف التي يمكن خلالها السماح باستثناءات في ساعات العمل، والتي غالبا تقع تحت بند القوة القاهرة أو ضغط العمل، أو الكوارث الطبية (الفقرة 280). (2): العمل عن بعد في حالة الأوبئة: وهو العوار الذي اعترى معايير العمل الدولي في إطار اتفاقيات منظمة العمل الدولية، وهذا ما استدركته لجنة الخبراء في إطار الدراسة الاستقصائية العامة بشأن أدوات وأوقات العمل، وكذلك الدراسة الاستقصائية العامة بشأن العمالة والعمل اللائقة في ظل ظروف متغيرة. (3): العلاقة العقدية: والتي تتمثل في عقد العمل والمستقر فيه أن الاستحالة المؤقتة لتنفيذ العقد لا توجب فسخه، بل توقف تنفيذه حتى زوال تلك الاستحالة وهي ما يطلق عليها نظرية وقف العقد، سواء كانت الاستحالة من قبل العامل أو العمل تحت ظروف القوة القاهرة. وقد حددت التشريعات الوطنية هذه القوة القاهرة، منها التشريع المصري والتي تتمثل في الحرب، والاضطرابات المدنية، وأعمال الشغب، والأوبئة والحرائق، والفيضانات والزلازل... إلخ. المحور الثاني: حقوق العمال في ظل كورونا في التشريعات العربية: تمثل التوجه القومي العربي لتحسين ظروف العمل وشروطه في قرار قيام منظمة العمل العربية، لما له من أهمية خاصة في هذا الشأن، ولقد دعمت التشريعات العربية كثيرا من حقوق العمال في كثير من المجالات، إلا أنها ما زالت تحتاج إلى كثير من التعديلات، وقد عملت دول عربية ومنها دولة الكويت على طرح مشروعات لتعديل قوانين العمل، خاصة في القطاع الأهلي يسمح للشركات بتخفيض الرواتب في ظل أزمة كورونا، ومنح العمال إجازة خاصة بأجر مخفض لا يقل عن الحد الأدنى للأجر، ولا يمكن تخفيض الأجر بأكثر من 50 % منه، وهو أمر لا يتماشى مع معايير العمل الدولية طالما لم توقف نشاط المؤسسة.