الرياض تستضيف الجولة الختامية من بطولة "لونجين العالمية" لقفز الحواجز    القبض على 3 يمنيين في جازان لتهريبهم (80) كجم "قات"    العاصفة ميليسا تقترب من التحول إلى إعصار في الكاريبي    زيلينسكي يدعو واشنطن لتوسيع العقوبات على روسيا    رفع الجاهزية الوطنية لحماية الموائل الطبيعية    تعادل القادسية والأخدود سلبيًا في دوري روشن للمحترفين    التعادل الإيجابي يحسم مواجهة الشباب وضمك في دوري روشن للمحترفين    هيئة البحرين للسياحة والمعارض تعلن تفاصيل موسم "أعياد البحرين 2025"    رصد مذنب «ليمون» في سماء القصيم    1371 حالة ضبط بالمنافذ الجمركية    من الهلال إلى بنزيما: كم أنت كريم    المسحل يلتقي بعثة الأخضر تحت (16) عامًا قبل المشاركة في بطولة غرب آسيا    أمير حائل يرعى حفل افتتاح ملتقى دراية    رئيس موريتانيا يزور المسجد النبوي    "تعليم جازان": تطبيق الدوام الشتوي في جميع المدارس بدءًا من يوم غدٍ الأحد    ضبط 23 شخصا ساعدوا المخالفين    حرم سفير المملكة لدى فرنسا تقيم ندوة نسائية للتوعية بسرطان الثدي    ضبط مزرعة ماريجوانا بأحد المنازل في الكويت    رئيس وزراء جمهورية الجبل الأسود يصل إلى الرياض    وفد غرفة جازان يزور شركة قوانغتشو يونكو للمعدات الذكية في الصين ويبحث توطين التصنيع الذكي في المملكة    «هيئة العناية بالحرمين» : 116 دقيقة مدة زمن العمرة خلال شهر ربيع الثاني    مقتل شخصين وإصابة 11 في إطلاق نار خلال حفلة بأمريكا    تركي الفيصل يرعى مؤتمرًا دوليًا يناقش صحة الإنسان في الفضاء    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على هيفاء بنت تركي بن سعود الكبير آل سعود    ضبط 741 من الكدادة خلال أسبوع    116 مليار ريال مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي    صفرنا الذي اخترعناه أم صفرنا الذي اخترناه    مشاهير الإعلام الجديد وثقافة التفاهة    دوائر لمكافحة «الهياط الفاسد»    حصاد مشاركة البرلمان العربي في اجتماعات الجمعية ال 151 للاتحاد البرلماني الدولي في جنيف    اتفاقيات وإطلاقات ملياريه في ملتقى "بيبان 2025"    افتتاح النسخة الثالثة من مؤتمر جدة للصيدلة بمشاركة نخبة من الخبراء والممارسين    الباحث السعودي د.الفريجي يفوز بالمركز الأول في جائزة الشارقة للأدب المكتبي    تجمع تبوك يصحح خطأً جراحيًا لمريض أجرى عملية تكميم خارج المملكة    احتفالية إعلامية مميزة لفريق "صدى جازان" وتكريم شركاء العطاء    «إرادة الدمام» يدشّن فعاليات اليوم العالمي للصحة النفسية بمشاركة واسعة في الخبر    جامعة الإمام عبدالرحمن توقع مذكرة تفاهم مع جمعية "اعتدال" لحفظ النعمة    الولايات المتحدة تعيّن ستيفن فاجن قائدًا مدنيًا لمركز التنسيق بشأن غزة    دراسة: العمل في فترة النوبات الليلية قد يؤدي إلى الإصابة بالقولون العصبي    ثيو هيرنانديز سعيد بفوز الهلال في «كلاسيكو السعودية»    إيطاليا تحتكر نحو (70%) من إنتاج الاتحاد الأوروبي للمعكرونة    كونسيساو: ما حدث أمام الهلال لا يمكن تحمله    جمعية المانجو بجازان تؤكد دعمها للتنمية الزراعية المستدامة في ملتقى "جازان الخضراء"    نائب أمير نجران يُدشِّن الأسبوع العالمي لمكافحة العدوى    آل الشيخ: معرفة أسماء الله الحسنى تزيد الإيمان وتملأ القلب طمأنينة    السديس: أمتنا أحوج ما تكون لهدايات القرآن في زمن الفتن    الديوان الملكي: وفاة صاحبة السمو الأميرة هيفاء بنت تركي بن محمد بن سعود الكبير آل سعود    تدشين فعالية اليوم العالمي للصحة النفسية في الخبر    تنقل زواره لتجربة سينمائية عبر رحلة تفاعلية مكتملة    أمير منطقة جازان ونائبه يلتقيان أهالي فرسان    أمير منطقة تبوك يواسي أسرة القايم    59.1% من سكان السعودية يمارسون النشاط البدني أسبوعيا    الأمين العام للأمم المتحدة يأمل أن تلتزم بالرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية    أكد رسوخ الوفاء والمبادرات الإنسانية.. محافظ الأحساء يكرم مواطناً تبرع بكليته لوالده    إسرائيل تحدد هوية رهينتين تسلمت جثتيهما    القيادة تعزي أمير الكويت في وفاة علي الصباح    أمر ملكي بتعيين الفوزان مفتياً عاماً للمملكة    معقم الأيدي «الإيثانول» يسبب السرطان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من يحمي العمال من سموم المصانع والمعامل البيولوجية والكيماوية ؟. الموت الصامت في بيئة العمل

إعداد:عماد فرحات، بمشاركة: ماري ريتا نهرا بيروت، نائلة علي دمشق، خالد مبارك عمان، مراجعة:ايمان نويهض.
} المبيدات السامة تتغلغل في جسد المزارع لمساً واستنشاقاً. والأسبستوس يتراكم في رئتي عامل المصنع فيموت بالسرطان. والجراثيم تنتقل من المريض الى الممرّض. واختصاصية التجميل تتنشق أبخرة الأسيتون ورذاذ الشعر وعشرات المستحضرات الكيماوية مع الهواء الذي تتنفسه. انه الموت الصامت. الأمراض المهنية باتت محسوبة ومصنفة قانونياً في العالم المتقدم. وقد آن الأوان للاقرار بحق العمال في بلادنا ببيئة مهنية صحية يضمنها لهم القانون.
ليست حوادث العمل كسوراً وخلوعاً فقط. فالمخفي أعظم. وفي مقابل كل اصابة منظورة عشرات الاعاقات والميتات البطيئة من التلوث الكيميائي والبيولوجي والضجيج والارتجاجات. أكثر من 70 ألف عامل عربي يموتون سنوياً بحوادث العمل، لكن الاحصاءات العربية تشير الى الحوادث المباشرة فقط، وضحايا الأمراض المهنية ما زالوا خارج نطاق الاحصاء.
وكم من أسرة فقدت معيلها بهذا الموت الصامت ولم تحصل على أي تعويض. وهنا شواهد صارخة:
ادخلت اختصاصية بعلم الجراثيم عمرها 23 سنة الى المستشفى بعدما عانت طوال اسبوع من نزلات برد وحمى وصداع واسهال. فتبين أنها مصابة بحمى التيفوئيد التي انتقلت اليها من خلال العمل على جرثومة السالمونيلا ضمن برنامج أبحاثها. وكانت اعتادت التدخين في المختبر وتناول طعام الغداء هناك أحياناً.
سجل تسمم عصبي لدى مجموعة من العمال تعرضوا طوال سنوات للمادة الصناعية الحفازة ثنائي مثيل الامينوبروبيونيتريل NPAMD التي سببت اعتلالاً عصبياً في المثانة أدى الى احتباس بولي وعسر في الوظيفة الجنسية. وعلى رغم أن حال العمال المتأثرين تحسنت بعد ابعادهم عن مكان التعرض لهذه المادة، فقد استمرت العوارض لدى بعضهم مدة سنتين على الأقل. وكان معظم هؤلاء من العمال الوافدين الذين لم يتمكنوا من الابلاغ عن العوارض أو خافوا من القيام بذلك.
في مطلع الثلاثينات، وقع حادث لدى حفر نفق "هوكس نست" عبر عرق من صخر السيليكا في فرجينيا. وتم شق النفق لجر المياه من أحد الأنهار الى محطة لتوليد الطاقة الكهرومائية. وصادفت الاعمال الهندسية للمشروع سنوات الركود الاقتصادي الأولى، فقدم اليه العمال من أنحاء الولايات المتحدة. وعمل في المشروع زهاء 5000 عامل، أسندت الى أكثر من نصفهم أعمال تحت الأرض. وبعد خمس سنوات من انجاز النفق حدثت بين اولئك العمال 700 وفاة نتيجة الاصابة بالسل السيليكوني وأنواع اخرى من تترّب الرئة. ودفع ارتفاع عدد الوفيات الكونغرس الاميركي الى اجراء تحقيق حول الموضوع واعتبار السل السيليكوني مرضاً مهنياً مؤكداً، على رغم الموقف السلبي الذي أبداه خبراء الصحة الصناعية.
لاحظت مجموعة من العمال في مصنع لانتاج المبيدات شمال كاليفورنيا أن قلة منهم أنجبت أطفالاً. وبعد الكشف على جميع عمال المصنع، تبين أن هناك علاقة قوية بين انخفاض عدد الحيوانات المنوية والتعرض لمادة الدايبروموكلوروبروبان PCBD وهو كلور عضوي معالج بالبرومين يستعمل مبيداً للديدان السلكية. وكانت التأثيرات السمية المنوية لدى بعض الرجال المعرضين كافية لجعلهم عقيمين. وأظهرت دراسات نسيجية للخصي أن الأنابيب المنوية هي موقع الاصابة، وأن الخلايا النطفية هي الهدف. وتم التثبت من العلاقة بين انخفاض عدد الحيوانات المنوية والتعرض لهذه المادة أثناء صنعها واستعمالها، بعد دراسات شملت معامل كيماوية أخرى في الولايات المتحدة وخارجها. وأظهرت متابعة العمال بعد توقف تعرضهم للمادة أن تكوّن الخلايا المنوية عاد الى وضعه الطبيعي لدى اولئك الذين كان تأثرهم أقل حدّة. لكن كثيراً من العمال الذين فقدوا الحيوانات المنوية بقوا عقيمين.
ثاني كبريتيد الكربون 2SC مادة صناعية تتسرب الى الجسم تنشقاً أو ابتلاعاً أو احتكاكاً بالجلد. وهو يؤثر على الجهاز العصبي المركزي وقد يؤدي الى تلازمات غريبة، بما في ذلك الذهان الهُواس. ويقال ان مصانع تستعمله عمدت الى تركيب قضبان حديد في نوافذ الطبقة العليا لمنع العمال من القفز منها بغية الانتحار. وهو يستعمل في صناعات كثيرة، كالرايون والسيلوفان والمبيدات والمواد اللاصقة، وكمذيب للفوسفور والسلينيوم والبروم واليود والشحوم والراتينجات، وفي صنع المواسير الخوائية الالكترونية، وفي معالجة المعادن كالذهب والنيكل، وكمانع للتآكل، وكعامل لازالة المعادن من النفايات السائلة، وفي التصوير الفوتوغرافي الملون الفوري، وحتى كطارد للديدان لدى الحيوانات الأليفة.
قبل سنوات أصيب أحد العاملين في مصنع يستعمل الأسبستوس الأميانت في لبنان بسرطان رئوي بعد أكثر من 20 سنة من تنشق الألياف القاتلة. وحاول الأهل معالجته من دون جدوى. وتكتم الجميع عن الأمر: أرباب العمل انكاراً للمسؤولية، والعامل المصاب خوفاً من سد باب رزقه، والأهل خشية دخول متاهات القوانين والمحاكم. ولم تفصل الا ثلاثة أشهر بين ظهور المرض والأجل المحتوم. وقال الأطباء الاختصاصيون آنذاك انها الحالة الثانية عشرة المسجلة حتى ذلك الحين كاصابة بالسرطان الناجم عن تنشق الأسبستوس.
هذه بضعة أمثلة على أمراض تصيب العمال في مراكز عملهم، ولا تظهر أعراضها الا بعد أشهر أو سنوات من التعرض لتلوث ما في بيئة العمل. وكثيراٌّ ما تبقى الأسباب خفية، أو مخفية، ولا تنكشف الا بعد فوات الأوان.
أخطار في كل مكان
تشير الارقام الصادرة عن منظمة العمل الدولية ومنظمة الصحة العالمية الى أن نحو أربعة آلاف شخص يتوجهون يومياً الى مراكز عملهم ولا يعودون الى عائلاتهم مساءً بسبب حادث عمل يودي بحياتهم، اضافة الى تعرّض ملايين العمال لامراض مهنية مزمنة وأخطار متنوعة في بيئة العمل. وتشير الاحصاءات الى أن حوادث العمل تبلغ سنوياً 250 مليون حادث، من ضمنها نحو مليون حادث مميت و365 ألف حالة وفاة ناتجة عن أمراض مهنية.
ما هي الاخطار التي تواجه العمال؟ ومن المسؤول عن حمايتهم من الحوادث المهنية والأمراض التي تهدد صحتهم من جراء عملهم في أجواء ملوثة وتعرضهم لمواد كيماوية متنوعة في موقع العمل؟
لا يمكن تحديد مكان العمل بالمصنع فقط أو المنجم أو المقلع أو المكتب، فهو يشمل جميع القطاعات الاقتصادية: الصناعة والزراعة والسياحة والتجارة والخدمات والأعمال الادارية وغير ذلك. وفي كل موقع أخطار محتملة واخرى مفاجئة. فالمزارع يتعرض لخطر المبيدات التي يستنشقها أثناء رشّ المزروعات، كما يتعرض لتقلبات الحرارة والرطوبة ومخاطر الآلات الزراعية. والعامل في المصنع يتعرض لأخطار ميكانيكية في التعامل مع أجهزة ومعدات مختلفة، ولضجيج الآلات والمحركات، وللارتجاج الناجم عن تشغيل بعض المعدات، ولأجواء داخلية موبوءة نتيجة سوء التهوئة وتلوث الهواء بالابخرة والغبائر الناتجة من مزج أو نقل مواد سامة أو غير سامة، اضافة الى عدم ارتداء الالبسة والاقنعة والقفازات والكمامات الواقية. حتى في الاعمال المكتبية، فان كثرة الجلوس وسوء الانارة والتعرّض لاشعاعات شاشات الكومبيوتر وآلات النسخ والتدفئة والتبريد المفرطين تسبب أمراضاً جسدية ونفسية مختلفة.
أنواع الاخطار المهنية
يمكن تصنيف الاخطار المهنية في خمس فئات: فيزيائية، وبيولوجية، ونفسية، وكيميائية، وحوادث واصابات. تشمل المخاطر الفيزيائية العوامل الخارجية التي تؤثر على صحة العامل، كالضجيج الذي يؤدي الى فقدان السمع، وتقلبات الحرارة والمناخ والضغط الجوي التي تنعكس إعياء وأمراضاً مختلفة، والاشعاعات الايونية وغير الايونية والارتجاجات. أما الحوادث فتشمل الاصابات الميكانيكية والكهربائية والحرائق.
وتشمل المخاطر البيولوجية الجراثيم والفيروسات والطفيليات التي يتعرض لها العاملون في مجال الصحة، والعدوى من الحيوانات لدى العمل في المزارع، وغيرها. وتنجم المخاطر النفسية من ضغط العمل، في ظروف بيئية غير آمنة وغير صحية وتحت شروط مهنية قاسية أو غير مريحة، فتكون النتيجة الارهاق والاجهاد النفسي والفكري.
وتشكل المخاطر الكيميائية نحو 80 في المئة من المحاذير الصحية. والامثلة عليها كثيرة: صناعة البلاط والبورسلين الرائجة في العالم العربي والتي تدخل فيها مادة الكلس، لحام المعادن بواسطة الكهرباء والتعرض للأبخرة المعدنية والحرارة المرتفعة، الغبائر والدخان والأبخرة والألياف والسوائل والأصباغ وغاز أول أوكسيد الكربون وانبعاثات عوادم السيارات ومواد الصمغ وغبار الفحم والمبيدات وغير ذلك. وتبقى مادة الاسبستوس الأميانت من أخطر المواد على صحة الانسان اذ تسبب سرطان التليف الرئوي وأمراضاً خطيرة أخرى.
تدخل ملوثات كثيرة الى الجسم بواسطة الاستنشاق، وهو أكثر الطرق شيوعاً، لاعتمادنا على التنفس. إن المعدل الوسطي للتنفس لدى الانسان العادي هو خمسة ليترات في الدقيقة، ما يعادل 300 ليتر من الهواء كل ساعة و7200 ليتر في اليوم. وفي هذه الأرقام دلالة على كمية التلوث التي يمكن أن تدخل الرئتين كل يوم. من جهة أخرى، يدخل بعض الملوثات الى الجسم عن طريق الامتصاص عبر الجلد لدى التعرض للمادة الكيماوية، وعن طريق الفم مع الطعام أو الشراب او التدخين، وأحياناً عن طريق المشيمة كما يحصل مع الحوامل اللواتي يعملن في جوّ تلوّثه مادة الرصاص التي تؤثر على الجنين.
وتتنوع طرق الوقاية بتنوع الاخطار التي يمكن ان يتعرض لها العامل. ولا بد من توفير أساليب الوقاية الفردية، كتأمين كمامات لمنع استنشاق الغبار والغازات والمواد الكيماوية المنبعثة، وواقيات للأذن من الضجيج، ونظارات لحماية العينين من الاشعة وانبعاثات المعادن، وقفازات وملابس خاصة للوقاية من التلوث المباشر، وغرف خاصة لتبديل ملابس العمل والاستحمام قبل المغادرة منعاً لانتقال التلوث الى العائلة والمنزل، وإجراء فحوص طبية دورية للعمال للكشف المبكر عن أي مرض ومعالجته، وتأمين النظافة والتهوئة للحماية من أخطار العوامل الحيوية كالجراثيم والفيروسات وعدم نقل العدوى، وتأمين المرافق الصحية ومياه الشرب النقية ودورات المياه وغرف الطعام الآمنة.
ولكن الوقاية الحقيقية تنطلق من اعتماد معايير عالية في ضبط التلوث في مصادره، فتستبدل المصانع المواد الكيماوية السامة بمواد أقل ضرراً حيث أمكن، كاستبدال الاسبستوس بالفيبرغلاس، وتأمين شفاطات هواء وتهوئة عامة جيدة. ويعزل مصدر التلوث عن مكان تواجد العمال. وتتم الحماية من أخطار الحرائق باستعمال مواد عازلة ومقاومة للحريق ومنع التدخين. وللحماية من أخطار الكهرباء تستعمل موصلات وكابلات عازلة تبعد خطر الانصعاق بالتيار. وتتم صيانة الآلات والمعدات بشكل دوري للتأكد من سلامة أجزائها وقطعها المتحركة وعدم تسرّب غازات أو مواد سامة. وتتخذ الاحتياطات اللازمة لحماية العمال من الوقوع والانزلاق عبر وضع حواجز وقائية وتسوير الحفر وسقف السقالات. كما يحمى العمال من المخاطر الفيزيائية كالحرارة والبرودة وسوء الانارة والضجيج والاهتزازات وتقلبات المناخ. تبقى ناحية مهمة هي التثقيف الصحي على كافة المستويات: لجهة ربّ العمل كي يعي مسؤولياته وصلاحياته، ولجهة العمال ليعرفوا حقوقهم وكيفية التعاطي السليم مع الآلات والمواد التي يستعملونها، ولجهة ناشطي الجمعيات الأهلية والاطباء والممرضين للتوعية وتوضيح المخاطر الناتجة عن أخطار العمل. ولا بد من تطبيق القوانين وتحديثها، اذ يجب الابلاغ عن الاصابات الى الجهات المعنية لاتخاذ اجراءات وقائية.
لذلك يجب الاقرار بوجود أخطاء وأخطار في بيئة العمل، والكشف على المنشأة بحسب الحالة للتأكد من صلاحية المعدات والالتزام بالمعايير، والتحقيق في حادث معين، والتأكد من توفير السلامة المهنية للعمال، واعداد تقرير يرفع للجهات المعنية لاتخاذ التدابير المناسبة.
بيئة العمل العربية
تزايدت الاصابات والأمراض الناتجة عن بيئة العمل في المنطقة العربية مع تزايد حجم القوى العاملة التي وصلت عام 2000 الى 98 مليوناً بحسب منظمة العمل العربية، وبسبب التوسع الصناعي والزراعي والتكنولوجي والخدمي وغيره وما ينتج عنه من مشكلات مهنية، وكذلك نتيجة التصنيع الكيماوي الذي أدى الى حوادث وكوارث صناعية وبيئية في عدد من الدول. وظل السلوك الفردي سلبياً تجاه بيئة العمل لاسباب ترتبط بمستوى التعليم والثقافة والتجربة والوعي الفردي والجماعي في أوساط العمال. وبحسب دراسة للمعهد العربي للصحة والسلامة المهنية، يأتي الوسط التكنولوجي لبيئة العمل في مقدم أسباب حوادث العمل، بما فيه من عيوب في التصميم أو الصنع، وكذلك الانشاءات الهندسية لموقع العمل وتجهيزاته والآلات الكهربائية فيه، واحتمال تعرضه لمخاطر الانهيارات أو الحرائق، ومدة العمل ونوعيته، والسن والوقت والصحة الجسدية والنفسية، فضلاً عن العوامل الاشعاعية والحرارية والكيماوية والبيولوجية والبيئية الطارئة.
ويبين استبيان اجراه المعهد عام 1993 أن كل الدول العربية تتبع سياسات خاصة في مجال الصحة والسلامة المهنية، تختلف بين بلد وآخر وتبعاً لمدى التنسيق بين الاطراف الثلاثة المعنية، وهي الحكومة والعمال وأصحاب العمل. إلا أنها تفتقر الى قوانين خاصة بالسلامة المهنية، التي يقتصر التطرق اليها على مواد ضمن قوانين ذات صلة، كما في الأردن قانون العمل، 1960 والامارات العربية المتحدة قانون العمل الاتحادي، 1980 والجزائر القانون 85، 1985 والسعودية نظام العمل والعمال، 1989 والسودان قانون الأمن الصناعي، 1976 وسورية قانون العمل، 1985 والصومال قانون العمل، 1972 وعمان قانون العمل، 1973 وقطر قانون العمل، 1962 و1975 ولبنان قانون العمل، 1946 ومصر قانون العمل، 1981 والمغرب قانون 13، 1947 وموريتانيا قانون 23، 1963 واليمن قانون العمل الاساسي، 1978. وهناك قرارات وزارية خاصة بالسلامة المهنية والتأمينات الاجتماعية للعمل، كما في البحرين وتونس والعراق والكويت.
وتوفر بعض التشريعات العربية حماية من أخطار بيئة العمل، وتقديم خدمات الصحة والسلامة المهنية للعمال، ودرجات من التأمين ضد حوادث العمل والاصابة بالأمراض المهنية. وتوفر سورية والسعودية ومصر والكويت خدمات رعاية صحية للعمال وأسرهم. لكن بعض الدول، ومنها وسورية والسعودية والاردن واليمن، تشترط اشتراك العامل في التأمينات الاجتماعية ليحصل على التأمين في حال تعرضه لأمراض مهنية. وفي ظل غياب تشريعات وطنية خاصة، وغياب المراكز الوطنية لمعلومات الصحة والسلامة المهنية لتقديم الخبرة والمساعدة في تطبيق المعايير، يظل العمال الذين يتعرضون لحوادث العمل في دوامة التفسيرات المختلفة لمواد ذات صلة بقوانين صادرة. وتفتقر الدول العربية التي تنشر احصاءات حوادث العمل لديها الى نظام معياري لتحليل نتائج الاحصاءات. وهذه مسألة مهمة في حساب حجم الخسائر الاقتصادية الوطنية.
ويحتل قطاع التشييد والبناء، الذي يشكل قوة عمل كبيرة، المقدمة في معدلات تكرار حوادث العمل في المنطقة العربية. ويحل ثانياً قطاع الصناعة، لا سيما النسيجية والنفطية، ثم النقل والشحن. وتشير التقديرات الى اصابة نحو مليون عامل عربي بحوادث مهنية كل سنة، أي نحو 3،0 في المئة من السكان، يموت منهم نحو 70 ألفاً. وهذا يقتصر على الحوادث الظاهرة ولا يشمل الأمراض المهنية والتأثيرات "الخفية" الطويلة الأجل. وثمة مؤشرات على أن مصر وسلطنة عمان ولبنان وسورية بصدد إعداد نظام إحصائي يتيح تسجيل ونشر نتائج حوادث العمل وتحليلها، في حين يستخدم نظام بهذا المعنى في البحرين والاردن والسعودية وقطر وتونس واليمن.
الاصابة والحوادث المنظورة يمكن احصاؤها، لكن الامراض المهنية ما زالت قاتلات خفية قلما يشار اليها في المنطقة العربية. وقد آن الأوان لكي تتفتح عيون العمال على ما يكمن لهم في بيئة عملهم، لكي يتخذوا الحيطة اللازمة ويطالبوا بحقوق لا يجوز أن ينكرها عليهم أرباب العمل وأصحاب القرار.
ينشر التحقيق في وقت واحد مع مجلة "البيئة والتنمية" اللبنانية، العدد 33، كانون الاول ديسمبر 2000.
22 قراراً للسلامة المهنية
} اعتمد مجلس وزراء العمل والشؤون الاجتماعية في مجلس التعاون لدول الخليج العربية قرارات تنفيذية نموذجية موحدة للسلامة والصحة المهنية، اشتملت على مجموعة من الاشرافات والتدابير الحديثة والمعايير والمواصفات الفنية، لايجاد بيئة عمل آمنة وصحية. وصدرت مدونة لائحية تضمنت 22 قراراً يمكن اختصارها كما يأتي:
1- في المنشآت الصناعية وغير الصناعية التي يزيد عدد عمالها عن 100 في موقع واحد، يتم تعيين مشرف أو قسم إشراف توكل اليه مهمات السلامة والصحة المهنية، ومنها: التفتيش الدوري، قياس نسبة الملوثات وتدوينها في سجل خاص، تحليل الحوادث وتسجيلها وتحضير تقرير يتضمن التدابير والاحتياطات لمنع تكرارها، تنظيم ندوات ومحاضرات واصدار ملصقات ونشرات خاصة بالسلامة والصحة المهنية، تعيين لجنة خاصة لبحث ظروف العمل وأسباب الحوادث والاصابات والامراض المهنية.
2- إجراء فحوص دورية للعمال المعرضين للاصابة بأمراض مهنية، كالتسمم بالرصاص والزرنيخ والزئبق والانتيمون والكلور والفلور والبروم، والأعراض الباثولوجية الناتجة عن أشعة اكس والراديوم والمواد الاخرى ذات النشاط الاشعاعي، والتهابات العين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.