لم يكن المبتعث "فيصل" يعلم عند قدومه إلى أهله بعد طول غياب أن تبادره شقيقته "دلال" فور قدومه بالسؤال عن هديتها، ولم يكن هذا ما يؤرق فيصل، بل إن الأمر تعداه إلى أبعد من ذلك حيث يقول: "عندما جلبت حقيبتي الخاصة بالهدايا لأوزعها على شقيقاتي فوجئت بتذمر شقيقتي من الهدية التي قدمتها إليها حيث قالت لي: "إنها رخيصة وليست ماركة". وتابع: "كانت تلك العبارة بمثابة الصدمة بالنسبة لي، حيث ظننت أن رؤيتي أهم من الهدية التي أحملها، ولكن الأمر بدا مختلفا". وتابع فيصل قائلا: "أخذت عهدا على نفسي بأن لا أحمل هدية بعد هذا اليوم لأي شخص كان". وأرجع السبب بقوله: "أصبحت الهدية تقاس بقيمتها المادية فقط، ولن أنسى منظر أختي وهي تبحث عن ثمن الهدية قبل أن تشكرني". بينما اتهمت "أم شادن" من قبل أقربائها بالبخل حينما جلبت الهدايا معها بعد عودتها إلى بلدها في الإجازة الصيفية، وتمنت لو أنها رجعت إلى أسرتها دونما أية هدية بدلا من الموقف المحرج الذي صادفها وبحضور زوجها، حيث تقول: "عدت إلى أسرتي محملة بالهدايا التي تعبر عن مدى فرحتي بلقائهم بعد الغياب الطويل، ولكن ما لم يكن في الحسبان أني اتهمت من أمي وشقيقاتي بالبخل والتقصير، نظرا لأن الهدايا التي قدمتها لهن لم تعجبهن، بل إن نظرات السخرية والتهكم من الهدايا التي جلبتها وصلتني دونما أية مقدمات، وهذا ما جعلني أتألم من كون الأسر أصبحت في زمننا الحالي تفضل الهدية على رؤية الأبناء". أما خلود الهاجري فتعبر عن أسفها بأن الهدية فقدت بريقها المعنوي لتتعداه إلى الرمز المادي، خاصة عندما يكون الشخص قد غاب عن أسرته لفترة من الزمن.. لهذا السبب فضلت أن تذهب لزيارة أهلها في دولة مجاورة دونما شراء الهدايا التي قد تجلب لها اللوم والاتهام بالتقصير مما يؤثر سلبا على مشاعرها. وتقول "أم سعود" وهي في السبعين من عمرها : "الزمن تغير كثيرا، حتى الهدية فقدت قيمتها وأصبحت مشروطة. وعن الهدايا في زمنها تقول: "كنّا نرضى بالقليل، ولا ننظر للقيمة المادية، ويكفينا فقط أن الشخص الذي يجلب الهدية قد تذكرنا، فنشكره على الفور، بل إننا نتباهى بتلك الهدية، ونرتديها أو نستعملها أمام من يهديها إلينا حتى نشعره بمدى اهتمامنا بالهدية المقدمة، وهذا بطبيعة الحال يبهج الزائر، خاصة إذا كان قادما من بلاد بعيدة". من جانبه أكد صاحب محل لبيع الهدايا، عامر حمزة، أن عددا من الزبائن باتوا يؤكدون عليه عند شراء الهدايا بكميات كبيرة ضرورة تغيير سعر الهدية حتى ينالوا رضا من يهدونه إياها. وعن أحد المواقف التي مر بها يقول: "حضرت إلى المحل سيدة، وطلبت مني سبعين هدية، وأصرت على أن أغلفها وأضع سعر 300 ريال على كل هدية، وهي لم تتجاوز ال 50 ريالا"، مشيرا إلى أن السبب الرغبة في إرضاء المهدى إليهم وتلافي انتقاداتهم حتى لو كان ذلك عن طريق الكذب. فيما أكدت اختصاصية الإرشاد النفسي، مريم العنزي، على أن "تسليع المشاعر بات يغزو مجتمعاتنا، لذلك فقدت الهدية في هذا الزمن القيمة المعنوية لها، والتي تدل على التقدير والاحترام، وتعدت ذلك إلى أن مدى الاحترام أصبح يقاس بقيمة الهدية". وتابعت أن "الناس اعتادوا في الآونة الأخيرة على التركيز على قيمة الهدية، حتى وإن كان الشخص غائبا عن أسرته لفترة طويلة، وهذا قد يؤثر سلبا على مشاعر الزائر المغترب الذي يود أن تظهر له أسرته برضاها فيما يقدمه، حتى وإن كان قليل الثمن، فيكفي أنه تذكر أن يجلب الهدايا، بغض النظر عن قيمتها لأقربائه".