الطب أشرف مهنة يمتهنها الإنسان، ومن أنبل المهن على وجه الأرض، والطبيب بردائه الأبيض كملاك الرحمة للمرضى، فعند رؤيته تهدأ النفوس وتطمئن، وهذا الشرف لا يرجع إلى أن الطب مهنة راقية فحسب، ولكن مرجعه إلى أن الطب أقرب المهن إلى نفس الإنسان، وأصدقها بتخفيف آلامه وتسكين أوجاعه، وإعادة السلامة إلى نفسه المتعبة، بمعنى أن الطبيب الذي يحترم مهنته، مثله مثل صاحب أي مهنة أخرى يوليها احترامه، إنما يفعل ذلك من منطلق معايير أخلاقية رفيعة يضعها لنفسه ويلتزم بها، جراء القَسَم الطبي الذي أقسمه على نفسه قبل مزاولة المهنة. لقد ذهبت إلى مستوصف ولمست كل هذا فيه، وتعلّمت أن مهنة الطب قوامها إنسانية في المقام الأول، أساسها الرحمة ورسلها الأطباء الذين يمارسون دورهم بكل إتقان، فمن يداوي الناس من علل أجسادهم، ربما استطاع أن يداوي المجتمع من أسقامه ومشاكله، بعين بصيرة قادرة على تشخيص المشاكل، ووضع الحلول لها. اشتد الألم على ابني خالد، وجلس يصرخ من ضرس العقل، وجلست أنا ونصفي الآخر وتشاورنا إلى أي مستوصف نذهب؟. وبعد عدة اتصالات للسؤال عن أي مستوصف في المرتبة الأولى بالرياض، توصلنا خلال أصدقائنا إلى مستوصف هو أفضلهم على الإطلاق، فتوجهنا إليه والتقينا موظفة الاستقبال، واجهة المستوصف، بأخلاقها الرفيعة، أوضحت لنا الأمور وأجابت عن أسئلتنا بصدر رحب وابتسامة أمل نابعة، فاستبشرت خيرا، واصطحبتنا إلى الطبيبة. كوني والد المريض، استخدمت معها لغة المستهلك الحزين، والمواطن المضطر، والعابر الغلبان، وجلسنا نخفّض من القيمة، فخفّضت منها قليلا، ولم أستسلم وأعدت الكَرّة مرة أخرى، واستخدمتُ لغة الجريح فنزّلت 50، واستخدمت لغة الميت فإذا بالدكتورة تنظر إلى مساعدتها المتعاطفة ووجهها يقول «من شان الله خفّضي...»، خفضت 50. وبدأت الدكتورة مهامها، وأنا أرصد محيط الغرفة والمعدات الطبية الحديثة بمستوصف هو الأفضل، كما شاهدت من إمكانات وأجهزة طبية، وكادر طبي على أعلى المستويات. وانصرفنا بعد معالجة ابني خالد. عدنا إلى المستوصف لنستكمل العلاج بعد يومين، وكعادتي كعاشق للكتابة وتدوين الأحداث، إذ وأنا في غرفة الطبيبة استحضرتني قصيدة عصماء، أكلت نصف مخي، فأحضرت ورقة، وقلما وبدأت في غرفة الدكتورة، في ظل انشغال الجميع بابني، أدوّن ما طرأ بذهني، فأحدثت ضجيجا، فالتفتت الدكتورة بكل لطف، وأخبرتني بأني أكون أكثر روعة لو مارست طقوس الكتابة في الاستراحة المطلة على الشارع، وذهبت بالفعل للاستراحة، ولكن لم أستطع أن أكتب شيئا، فجواري مريض يعطس ويرمي المناديل واحدا تلو الآخر، حتى أفقدني عقلي، وتاهت الكلمات في ذهني وأخذت بالعطس أنا الآخر. وخلال جلوسي أنا والرجل العاطس دار الحديث بيننا. عبدالله والد المريض: ما بك يا رجل الرجل العاطس: والله يا ابن الحلال عندي امرأة ضيّعت كل أموالي على الأسنان. فالراتب ينزل، المشغل يوم والسوق يوم، والمستوصف يوم، وأجلس باقي الشهر أتديّن. عبدالله والد المريض: كان الله في عونك، فالمؤمن مبتلى وصدقني هذا ابتلاء، ودليل على أن الله يحبك، تدري لماذا؟ لأن الله إذا أحب عبداً ابتلاه. وانصرفتُ بعدما ضحك الرجل العاطس، وعلمت بعد ذلك أن مالك المستوصف ممارس طبي سعودي خلوق ومحترم، وحينها علمت لم حقق المستوصف كل هذا النجاح. حقاً المدير الناجح هو الذي يملك القدرة على القيادة الإدارية في التخطيط، والتنظيم، والتوجيه، والرقابة، واتخاذ القرارات، إذ تتوافر فيه المهارات والصفات القيادية، إضافة إلى التأهيل العلمي والخبرات العملية التي تمكنه من التصرف بحكمة وموضوعية، واختيار كوادر طبية تؤهل المستوصف ليكون بالفعل رقم 1. فمهنة الطب من المهن الراقية التي يقدرها المجتمع، كما أن احترام المريض وكتابة معلوماته بعناية لضمان حقوقه والثقة المتبادلة هي الأساس في العلاقة بين المريض والطبيب، وهذا ما لمسته في المستوصف.