عندما أعلن المدير العام لمنظمة الصحة العالمية أن كورنا المستجد أو «كوفيد- 19»، أصبح «pandemic»، سارع الموقع الرسمي للمنظمة وترجمها حرفيا ب«جائحة». هذا المصطلح أصبح يكتب في معظم وسائل الإعلام المقروء، ويذاع في معظم القنوات الإعلامية المرئية، ويستخدم في جميع المراسلات الحكومية الرسمية في كثير من الدول العربية. السؤال: هل هذا المصطلح صحيح أم لا؟ هل هناك علاقة بين الجائحة والمرض؟ ماذا تقول المعاجم العربية عن هذه المفردة؟ وما أهمية دقة المصطلح؟. في المعاجم اللغوية، الجائحة هي البليّة والنازلة والمصيبة التي تحلّ بالرجل في ماله فتجتاحه كلَّه، ولذلك يقال سنة جائحة أي سنة جدبة، غبراء، قاحلة. وأما فقهيّا فهو ما أذهب الثّمر أو بعضه من آفة سماوية أَمر بِوضع الْجوائح. إذن، هذا الوصف ليس صحيحا بناء على تراثنا اللغوي، فكلمة جائحة ليست لها علاقة بالأوبئة، والأمراض لا من قريب ولا من بعيد، والصحيح أن يوصف ب«وباء»، ومعناه كل مرضٍ شديد العدوى، سريع الانتشار من مكان إلى مكان، يصيب الإنسان والحيوان والنبات، وعادة ما يكون قاتلا كالطاعون. قد يسأل أحدهم: وما أهمية هذا الكلام، سواء كان المصطلح صحيحا أو غير صحيح؟ وهل سيعالج المصطلح المرض؟ الجواب: عندما نذهب للغة الإنجليزية، نجد فيها 3 مصطلحات مختلفة في علم الأوبئة والأمراض، يجب التفريق بينها بكل دقة ووضوح، إذ إن كل مصطلح له ترتيباته الخاصة وتجهيزات معينة ورصد ميزانيات محددة، كل هذه التدابير والإجراءات تعتمد على دقة المصطلح الذي يصدر من منظمة الصحة العالمية. فمثلا: عندما يذكر مصطلح «outbreak» معناه: تفشي المرض في مجتمع معين أو حي في مدينة، وعندما يتم ذكر Epidemic فهو تفشٍ على مساحة جغرافية أكبر، وأما عندما تذكر مفردة «pandemic» فهو وصف لتفشي الوباء عالميا. ومن ناحية أخرى، المصطلح اللغوي له انعكاسات على بنية الوعي والفهم، وسأطرح مثالا بعيدا عن موضوع الأوبئة والأمراض، فتخصُّص التاريخ -مثلا- في المؤسسات التعليمية في العالم العربي يختلف عن التخصص ذاته في العالم الغربي، التاريخ في اللغة العربية يدل على التحقيب، كأن نقول -مثلا- هذا الحدث حصل في التاريخ الكذائي، والنتيجة أن هذا المصطلح انعكس على الموضوع، فاصبح تخصص التاريخ يهتم بتدوين ما حدث في الماضي، والتسلسل الزمني للأحداث، دون تمحيص أو تدقيق. أما التاريخ عند الغرب هو «History»، وعندما تذهب للمعاجم اللغوية الإنجليزية فتجد معناها الإغريقي هو «Inquiry»، وتعني التساؤل والتقصي، إذًا فتخصص التاريخ في الثقافة الغربية، ليس له دخل في عملية تحقيب الحوادث التاريخية وتدوينها كما هو عندنا، وإنما إعمال العقل لتقصي حقيقة حدث أو موقف حدث في الماضي. في الحقيقة، لا بد أن نقف لحظة مع أنفسنا، ونتأمل ونراجع مفرداتنا العربية وما انعكس عليها من خلط المفاهيم. هل بهذه البساطة نضيف كلمة ونحذف أخرى؟ هل لغتنا العربية فقيرة في وضع المصطلحات الصحيحة في مكانها المناسب؟ إذا كان كذلك، لماذا لا نقوم بمشروع تطوير اللغة العربية، ونحاول تعريب بعض الكلمات غيرالعربية، أفضل من استخدام مفردات من قبيل «الجائحة»، وهي مفردة ثقيلة على القلب واللسان، وليس لها أي دلالة ولا معنى، وهي غريبة حتى على المتخصصين العرب في علم الأمراض والأوبئة.