قبل أن ينتقل والده إلى «الهنداوية» الذي كان أحد أحياء جدة الناشئة حديثا خارج السور قبيل منتصف القرن العشرين، كان الفنان علي عبدالكريم قد أطلق صرخته الأولى عام 1960 في حارة الشام أحد أحياء جدة الأربعة التاريخية، وهناك تلونت أيامه الأولى بعبق المكان. في سن مبكرة جدا، تربت ذائقته، كان يستمع إلى عمالقة الفن إضافة إلى الأسطوانات التي كانت بحوزة والديه. تربت مسامعه الموسيقية على حفلات أم كلثوم، وليلى مراد، وأغنيات محمد عبدالوهاب، إضافة إلى ما كان يسمعه من الغناء المحلي لطلال مداح وفوزي محسون وعمر كدرس ومحمد عبده. وفاض القلب ذات يوم وهو طفل لم يتجاوز العاشرة من عمره، يتكئ على روشان منزلهم بحي الهنداوية، يصغي لأصدقاء والده وهم يفترشون الأرض يتسامرون طربا وغناء، ففاضت في قلبه من لحظتها رغبة امتلاك عود، وهو في ال12، قرر أن يصنع عودا خاصا به، وعلى طريقة ما هو شائع في ثقافة ذلك الزمان، وعلى غرار ما فعله كثيرون من مجايليه، جلب صفيحة «جالون»، خرمه ووضع له أوتارا بدائية، صنع له رقبة وزندا لدوزنة الأوتار، فأنتج آلة أشبه بالسمسمية. طير يحلق لم يكن العود الذي صنعه كافيا، ملبيا لرغبته وحسه الموسيقي، حنت جدته عليه وبمئة ريال اشترت له عودا. كانت للمئة ريال قيمتها، وتعني الكثير في ذلك الوقت، لكن رغبة الجدة في إسعاد قلب حفيدها الصغير، دفعتها لتجود عليه بكرمها، غير أن العود لم يمكث وقتا طويلا حتى كُسر، ولم ينكسر شغف الفنان في قلبه. جمع مبلغا آخر من مصروفه اليومي، ولكن هذه المرة على مدى عامين كاملين، وبمساعدة والدته اكتمل المبلغ لشراء عود آخر، مع حرص شديد على عدم إخبار والده، الذي كلما غادر البيت نحو عمله، راح علي يتعلم العزف والغناء، كان في قلبه طير يحلق. فزعة الجار هباش كان لعلي جار يعمل عازفا للكمان بفرقة محمد عبده اسمه «علي هباش»، ذهبت والدته لوالدة هباش، طالبة منها مساعدته لابنها، المولع بالطرب والغناء ويملك صوتا جميلا. جاء «هباش» ذات يوم بسيارته، وعلي الذي لم يتجاوز الرابعة عشرة غارق في لعب «البرجون» مع أصدقائه. صعد هباش بسيارته على حفرة البرجون ليردمها، ووجه كلامه لعلي:«هو انت يا قُمص اللي تبغى تتعلم العود؟». ليرد عليه بخجل: نعم يا أستاذ علي. «إذاً جهز نفسك غداً عند الخامسة عصرا، سآتي اليك في المنزل وأعطيك دروسا على العود». هكذا كان رد علي هباش. عهدة فنية لمس علي هباش، حسا موسيقيا لدى الفتى، وسرعان ما أخبر الملحن سامي إحسان عن طفل موهوب ولم يتردد سامي في طلب مقابلة والده، الذي كان من أصدقاء والد سامي، وعرض عليه أن يسلمه موهبة ابنه عهدة فنية، فعلي يملك من الحس في الأداء، ما لم يكن يملكه غيره من الفنانين في ذلك الزمان، فهو لم يكن يقلد أحدا من الفنانين، كانت له شخصيته في كل ما يقوله من الموالات والأدوار الغنائية القديمة. الانبهار والاستقلال كان علي عبدالكريم دائما ما يغني مع صديقه (عبدالوهاب حضيري)، شكلا ثنائيا في أداء الموال، استمع لهما طلال مداح في منزل فوزي محسون، فدخلا حالة من الانبهار بالتجانس الصوتي بين (علي) و(عبدالوهاب). في تلك الجلسة قال لهما لطفي زيني: صعب جدا أن تكونا دائما مع بعض، يجب أن يتعلم كل واحد منكم الغناء بصفة مستقلة، حتى إن مرض أحدكما لا سمح الله، يستطيع الآخر الغناء بمفرده. علي لم ينس أنه شارك في تلك الأيام مع رفيقه عبدالوهاب حضيري في البرنامج التلفزيوني (فنون شعبية) من إعداد وإخراج (حسن سلامة) والد المطرب (طلال سلامة). تمثيل في السبعينات الميلادية وهو في السادسة عشرة من عمره خاض علي عبدالكريم، مجال التمثيل، في مسلسل (ارجع إلينا يا أبي) بطولة (فؤاد بخش) و(محمد بخش). غنى في المسلسل أغاني مثل (لبيه يا منادي) كلمات الأمير خالد الفيصل، وألحان سامي إحسان، وأغنية (جاني الأسمر جاني) كلمات ثريا قابل وألحان فوزي محسون وغيرها من الأغاني. لفت الانتباه وفي ال 17 من عمره شارك ببرنامج «الهواة»، من إعداد عبدالله الجارالله، وغنى فيه (يا صدفة حلوة من غير ميعاد) كلمات إبراهيم خفاجي، ولحن سامي إحسان الذي بدأ تبنيه فنيا بشكل جدي، وحققت الأغنية المركز الأول، ما لفت انتباه الجمهور ل(علي عبدالكريم) اسما فنيا قادما للساحة، حاملا تباشير الدفء بصوته وإحساسه، الذي تميز بين فنانين شاركوه البرنامج محروس الهاجري، ومحمد عمر وعبدالعزيز عبدالله. دعم ورعاية بعد تجربة برنامج الهواة، تكونت لجنة شكلها الأمير محمد العبدالله الفيصل والأمير بدر بن عبدالمحسن، ضمت سامي إحسان ومحمد عبده، ونخبة، من الفنانين بالإضافة إلى مشاركة الخبير الموسيقي ميشيل المصري)، للاستماع للأصوات الشابة، محمد عمر، ويحيى لبان) ومحمد السراج، وكان علي ضمن هذه الأصوات، وكان مطلوبا من اللجنة اختيار اسم واحد فقط لرعايته فنيا. غنى علي (تو القمر بان) و (أنا ظل عابر مسافر) كلمات علي هباش، وهي أول أغنية يلحنها في مسيرته ولم يكن وقتها تجاوز الثامنة عشرة. اللجنة رأت أن صوت علي ما زال صغيرا لم ينضج، كالأصوات التي كانت معه في المسابقة. لم ييأس، فقد أسعده تنبؤ (ميشيل المصري) بموهبته، كما كان سامي إحسان يقف بجواره، يشد من أزره ويدعمه دائما، وأوصى الأمير بدر، سامي إحسان، وسراج عمر، بالاهتمام به، وبعد سنتين سافرعلي برفقة سامي وسراج للقاهرة، وسجل أغنية (ودعتك الله يا مسافر) التي أضاف إليها محمد عبده كوبليه لحنيا، كتبه إبراهيم خفاجي. ليال أوروبية بدأ اسم علي عبدالكريم يشع وينتشر، وسراج عمر دائما ما يرشح اسمه لمشاركة الأسماء الكبيرة في حفلات القاهره ك (فايزة احمد) وغيرها من نجوم تلك الحقبة. وهو في ال 22 من عمره، شارك بالغناء في (باريس) التي تحتضن المثقفين ومحبي الفن العربي في ذلك الوقت، كان يستقر هناك ثلاثة أشهر حتى يستطيع تلبية طلبات المتعهدين هناك، وفي ليلة من الليالي كانت تغني الفنانة الكويتية (ليلى عبدالعزيز) وقالت له بعد الانتهاء، «انظر من جاء ليستمع إليك خصيصا»، وهي تشير إلى الموسيقار (محمد الموجي) الذي أثنى عليه كثيرا وعلى تلاعبه بالعُرب وقفزات صوته في سلالم الموسيقى ب(المجس الحجازي). إضافة إلى ذلك غنى في لندن بمسرح (البرت هول) في حفل كبير امتلأت فيه صالة المسرح بالجمهور العربي. توظيف الشعبي ساهم علي عبد الكريم في انتشار إيقاع فلكلور (الخبيتي) في أكثر من عمل منها، أغنية (هاوي حنانك) 1990، فهو أول من مزج الدفوف (الطِيران) مع مجموعة الإيقاعات الضابطة للفرقة الموسيقية، ووضع تركيبة التفاعيل الحالية لإيقاع (الخبيتي) حيث كان هذا النوع من الإيقاع محصورا على الفِرق الشعبية، وكان يصعب التغني به على النوتة الموسيقية، لفوارق الإيقاعات وتركيبتها مع مزجها ببعض، وكان أول عمل له بإيقاع الخبيتي أغنية (يا راوية)، حيث قضى وقتا طويلا لتعليم (الفرقة الماسية) بالأستوديو بالقاهرة تفاعيل هذا الإيقاع العجيب، وكيف يكتب على النوتة لتعزف عليه الفرق الموسيقية، وأعيد تسجيل الأغنية 3 مرات إلى أن خرجت بشكلها النهائي. اعتراض يحسب لعلي عبدالكريم أيضاً تعمقه في إيقاع (الخطوة)- الإيقاع الفلكلوري المنتشر بمنطقة عسير- حينما قدمه في أغنية (قصر عالي) عام 1992م وأسهم ذلك في انتشار فن الخطوة الجنوبية، بعد أن كانت محصورة على فناني جنوب المملكة. كما ساهم في تطوير الأغنية السعودية وخاصة من الناحية الموسيقية من خلال موسيقى أغانيه التي كانت تتسم بطابع غير مألوف، وقوبلت باعتراض من بعض النقاد والفنانين في تلك الفتره، حيث أدخل صوت (سوبرانو) نسائي حي في أغنية (يا ملفت الأنظار)، وأدخله ايضاً في اغنية (بنلتقي)، كان ذلك بصوت الأوبراليه زوجة (زكريا عامر) كبير المهندسين في (أستديو 46) بالقاهرة. كما أضاف أيضا الدخول الأوبرالي ولكن هذه المرة بصوته في أغنية (ابعتصبك). وقد كانت هناك جملة موسيقية عالقة في ذهن (علي عبدالكريم) ولم ينفذها له سوى الفنان (رابح صقر) في أغنية (الفرق واضح) 1992م مستغنياً عن كل الآلات الموسيقية في ترجمة (المقام الخماسي) السوداني. الجنادرية شارك علي عبدالكريم في (أوبريت الجنادرية) 1997، الذي حمل عنوان (كفاح أجيال) وكتبه (صالح الشادي) ألحان (محمد شفيق)، حيث وقف إلى جانب طلال مداح ومحمد عبده وعبادي الجوهر وعبدالله رشاد وعبدالمجيد عبدالله، ولم يحضر الحفل، لمرض مفاجئ ألم به قبل الموعد بثلاثة أيام فقط، بعد أن قام بتركيب صوته على العمل الموسيقي. ويعد علي عبدالكريم، الوحيد الذي تغنى بألحان ثلاثي الغناء السعودي (طلال مداح) و(محمد عبده) و(عبادي الجوهر). جوائز وتكريم الجائزة الأولى للغناء في (مهرجان القاهرة الدولي) «أجمل مؤدي» 1996م،وهو أول فنان سعودي وخليجي يحصل على هذه الجائزة، في المسابقة التي شهدت مشاركة 43 دولة، منها دول عربية وأوروبية وأمريكية، ومن أبرز الفنانين العرب المشاركين (عبدالوهاب الدكالي) و(نعيمة سميح) و(هاني شاكر) و(كاظم الساهر) و(أصالة نصري) وغيرهم. وقد تقدم الفنان (علي) بأغنية (لو خيروني) من كلمات الشاعر ساري (محمد الغامدي) وألحان (علي عبدالكريم)، كان مترددا في البداية بالمشاركة بهذه المسابقة لكن سراج عمر شجعه وقال له: يجب أن تثبت نفسك ووجودك بالمهرجان يجعلك ممثلا للوطن، وهذا ما تم بالفعل، يقول (علي) إن اللجنة كانت مرعبة، لأنها مكونة من (حلمي بكر) من مصر (سراج عمر) من السعودية (عيد الفرج) من الإمارات (هاني مهنا) من مصر (أحمد الشريف) من مصر. - أطلق ألبوما عام 1994 يحتوي على أغاني (أم كلثوم) و(ليلى مراد) و(فتحية أحمد) - الألبوم مجاز من لجنة في جمعية المؤلفين والملحنين بمصر تضم محمد الموجي وحلمي بكر - حصل على تنازل خاص من ورثة (أم كلثوم) لغنائه تلك الأغاني - قال له عمر كدرس ماذا تفعل يا علي؟ أنت تغني لوناً يعجز كبار المطربين في الخليج العربي عن أدائه بدقة وجودة عالية - يعد الفنان الوحيد الذي حصل على هذا التنازل - قدم اللون الكلثومي بطريقته وأسلوبه الحجازي في الغناء دون الخروج عن إطار اللحن والإيقاع - بعد أن استمع كدرس إلى الألبوم كان من أوائل المهنئين