طلب أحد الأصدقاء نصيحتي عند ترشحه لمنصب قيادي في إحدى المؤسسات، وكانت أكبر مخاوفه أن سلفه كان ذا سمعة إدارية سيئة، وأنه يغادر كرسي الإدارة تاركا وراءه عشرات الملفات لمشاكل وقضايا لم يفلح في احتوائها وحلها. فكانت أول نصيحة وجهتها له أن يبدأ بتغيير كل المستشارين ومديري الأقسام والإدارات وكل مديري العموم. وأن يحرص على تدوير الموظفين ذوي المناصب المؤثرة. إذ إنه من المعروف في علم الإدارة أن هذا النمط من القيادات الإدارية السيئة يرتكز على طبقة من المتنفذين النفعيين ذوي التوجهات الشخصية. وهؤلاء بدورهم يوجهونه لما يخدم مصالحهم، وفي الغالب يتبرمج هذا النوع سريعا، فهو في العادة سهل الانقياد، تنقصه المعلومة، وتملؤه نشوة المنصب، ويفترض أن السلطات الممنوحة له بموجب منصبه إنما هي استحقاقات يجنيها لاعتبارات شخصيته الفذة. وهذه الثغرة تحديدا هي بوابة النفاذ إليه، فتجده يصدق الثناء ويطرب للإطراء ويقدر من ينافقه ويفوض أعماله للمقربين من إدارته. إن هذا النوع من الإداريين يخلق دون وعي حالة من الطبقية بين موظفيه، ويشيع في مؤسسته من يسمون (شلة المدير)، الشللية إحدى الظواهر الشائعة الدالة على ضعف شخصية القيادي، فهو يلجأ لشلته بغية الحصول على الحماية والتأييد، وهذا ما يخلق شلة مضادة بالتالي داخل المنظمة. كما أن النمط الديكتاتوري هو الغالب في هذا النوع من الإدارات، إذ تمارس الدكتاتورية والبطش الإداري في جميع طبقات الهرم من القائد ونزولا من كل إداري على موظفي إدارته، كما تنشط ظواهر كالتجسس والنميمة والشائعات، وربما تتطور الصورة لتلفيق الاتهامات الكيدية بين أعضاء وموظفي المؤسسة، كما تجد الاستبداد وإنزال العقوبات القصوى على كل من يخالف توجه المدير وخاصته ومريديه. أحاول تحليل هذا النمط الإداري مع محدثي وأنا أتذكر نظريات علم الإدارة وأقارنها ببعض الأنظمة والتجارب التي شاهدتها، وأجد فارقا كبيرا بين ما نطمح له من جودة في الأداء المؤسسي ومن شفافية ونزاهة تستهدفها الرؤية السعودية 2030، وبين ما هو موجود في بعض إداراتنا للأسف. أقول عندها لصديقي: كان الله في عونك، فإن أسوأ أفعال القائد الإداري الضعيف ليس عهده السيئ، بل الفوضى التي يتركها لخلفه.