جميلةٌ تلك الصدفة التي قادتني إلى البقاء في المخواة بعد رحلتي للباحة، لأتنفس المخواة الحسناء التهامية، وأتجول في سوقها الشهير «الثلاثاء». في قمة شدا الباذخ، قرأت تفاصيل المدينة الحالمة، ذات الطابع القروي الهادئ. المدينة التهامية البسيطة في تعايشها وتعاملها وضحكتها، حتى في سحنات أهلها الجميلة العظيمة، في قيمتها الإنسانية والحضارية والتاريخية، في دلالتها المكانية وإيحاءاتها الزمانية، وتأصيل تاريخها الذي كُتِبَ هنا. المخواة، مدينة المساءات الواقعة بين الحلم والحقيقة، مدينة حائرة بين الجبل والبحر، ملتقى القلوب وربيع الباحة الأم، ولقاء التاريخ بالجغرافيا!. ثمة عرضة فنية شعبية تطربك، ووجبة قرصان الميفا تستهويك، وقصص شيوخها تجذبك، وأصوات الباعة والمشترين تدعو فضول الأسئلة فيك أكثر وأكثر. المخواة، مدينة تستجمع ذاكرة إنسانها ومكانها كي تحكي للقادمين رواياتها عن السراة وتهامة، الكفاح والنجاح، حكايات سرت بها الركبان وبقيت في ذاكرة تهامة الخالدة. المخواة مدينة تقف على حافة السماء لتعانق الأرض وتصافح السهل، وتكتب للبحر رسائل الشوق، هي طهر الغيمات وابتهالات الجدات. في قمم شدا تشاهد كيف تملك جاذبية تأسر السائحين، ليجدوا أنفسهم قد وقعوا في هواها منذ النظرة الأولى، فتأخذهم في لحظة الإبهار والدهشة والهيام، فيحلقون بجوالاتهم عاليا؛ كي يلامسوا ربيع المخواة صورا للذكرى، للحب وللفرح، يبثونها لكل العالم، وقرية ذي عين تنظر إلى زائريها بعين الحب والسلام، عين الرضا التي لا تشاهد إلا الجمال وهي كذلك. المخواة، جارة الوادي التي تجتمع على حبها كل الأودية الذاهبة إليها والعائدة منها، مدينة العادات والتقاليد والآثار والحصون والقلاع، مدينة التراث والأصالة. المخواة، المدينة التي تسكنك قبل أن تسكنها، وتناجيك البقاء أكثر كي تستمتع بكل تفاصيل المخواة البكر. عرس الشتاء لحظة ميلاد أنثى القصيدة، وإن زدت في الإبحار أيتها الجنوبية، سأردّد مع شاعرها عبدالواحد الزهراني: كم جبال تطيح من البروق وكم جبالٍ تهزّا لكن أما شدا لو هزّه البركان ما أهتزّ له المخواة، مدينة الإلهام والروح والعشق الأبدي، مدينة الغناء والسمر، هي المدينة التي تناجيك ليلا لتمنحك الشعر نهارا، كما تقولها الأديبة جوري الغامدي. المخواة، مدينة الوفاء والوفاق والشيح يعرف قاطفه، أليس كذلك فاتنة التهايم؟! المخواة، مدينة الربيع الساحر الذي أعاد إليها ابتسامتها وعمرها وثوبها المزركش بالحياة، وصوت الحصاد وصفير الرعيان، وناي الإحساس وإخضرار القلوب، وموسم الهجرة إلى الجنوب. ألقى عليها الربيع رداء الحسن فارتدت بصيرة ترى الجمال في عيون قاصديها، وعاشقيها وعابريها، وما مهرجانها الشتوي الأنيق إلا رحلة طائر مهاجر من جبال الحجاز القارسة إلى سهول تهامة الدافئة، رأى فيها السلام والشمس، فكانت له الوطن وطيب المقام. مهرجانها الآسر أوجد مساحات من البياض للبحث والتقصي في تقاسيم المخواة الساحرة، التي كانت وما زلت مشتى الباحة وقلب تهامة النابض. هذا المهرجان الفريد من نوعه وضع حجر الأساس لمدينة قادمة للصدارة، فقد حظيت باهتمام غير مسبوق من أميرها المحبوب الأمير الدكتور حسام بن سعود بن عبدالعزيز. المخواة، بدايات المحبة التي قال عنها محافظها نايف محمد الهزاني: المخواة تستحق منّا الكثير الكثير.. هذه البداية والقادم أجمل وأروع. المخواة، مدينة جمعت كل ألوان الطيف، فقد ضربت موعدا مع الشتاء كل عام.