لا خير في الكلمة إن لم تنبه فينا الحس الإنساني الكامل بهذه الحياة، ولا خير في الكلمة إن لم تعطنا خلاصة النفع الذي يتوخاه الإنسان وروح الفائدة التي يبتغيها في هذا الزمن، الذي استشرى فيه صراع الإنسان ضد أخيه الإنسان، وأعني النفع والفائدة لخير المجموعة الإنسانية، ونحن لا خير فينا إن لم نعط الكلمة أسماع قلوبنا وعقولنا حين نجد أنها تحمل في تضاعيفها ما نصبو إليه من خير ورجاء. والإنسان في العادة يقتدي بالكلمة، فحيث تدله الكلمة الطيبة يتجه لأنها مبدأ الإنسان وموقفه. لقد اتجه سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام بالكلمة العليا، كلمة الله تعالى، إلى الناس من أجل أن يزرع في قلوبهم وعقولهم وعيا بالوجود الذي أوجده الله تعالى، ومن أجل أن يفتح بها آفاق الخير والسلام، وكانت كلمة القرآن هي التي اتجهت بالإنسان وجهة الخير والحق والصواب، وما ناهض هذه الكلمة الشريفة الخالدة من كلمات كانت دليلا لأهلها نحو دياجير الظلام، ومن القرآن الكريم نبع الخير والنور والصفاء وتدفقت الكلمات الربانية المشرقة تنير دروب الحياة، وتحث الإنسان وتحضه على الخير وترسم له طريق الحياة الصالحة، ومن شرف آيات القرآن المجيد يستمد المخلوق معاني عظمى فيما يكتب إن كان كاتبا، وفيما يقول بتعامله مع الناس الصدق والحقيقة والإخلاص، فإن هو جانب هذه الفضائل أخل بشرف الكلمة وعرّض نفسه للهوان. إن أرباب الثقافة والأدب الحقيقيين لا المزيفين هم الذين يعلمون ما للكلمة في ظل المبدأ الحق من شرافة وعزازة وعلاء، لذلك لا يمتهنونها بالزور، ولا يطمسون شعاعها بالكذب لأنهم محاسبون أمام الله أولا ثم أمام الضمير الإنساني، ولا يودون أن يقفوا موقفا شديد الأذى لنفوسهم، ولا يمكن أن تغريهم عروض الحياة الباطلة في أن يزوروا الكلمة ويشوهوا نقاءها ليتركوها سبّة في أعناقهم تثير اشمئزاز الخلف وتزرع الكراهة لهم على مر العصور. على أن أناساً من بائعي الضمائر يسهل عليهم أن يكونوا على خلاف غيرهم من الغيورين على كلمة الحق، وهؤلاء بالطبع بعيدون عن كل صفة حميدة، حتى وإن كانت أقلامهم أبلغ فصاحة وأجلى موهبة. فكلمة الحق هي أداة الرجل الشريف، وهي موقفه ومبدأه في الحياة. * ذخائر الذيابي * 1990