فئة من الناس لا ترضى بجهد ولا تعترف بكفاح، تبصر الأشياء خلال منظار أسود، فترى ما حولها في سواد الليل وظلمة القبور، تعيش في هامش المجتمعات المتطورة، كما تحيا الجرثومة الغريبة في جزء من الجسم السليم، تعبث بكيانه وتبني وجودها على أنقاضه، لا تعمل صالحا، ولا تدع المجال لجهود المصلحين!. إن رأت خيرا تعمدت تجاهله واختلقت نقيضه، لتطمس بصنيعها معالمه المشرقة، ولتضيع على أبطاله -بحقدها- لذة النصر به، وإن رأت غيره مما تقتضيه طبيعة البشر بالغت في تجسيمه وتهويل أثره، في خداع صادق للرأي العام، وحقد جريء على كل مقومات المجتمع وقيمه، تريد بصنيعها نزع الثقة والطمأنينة ليحل الشك والقلق مكانهما، وكل مجتمع يفقد ثقته واستقراراه، يصبح بالتالي حقلا رئيسا للفوضى والرذيلة والتخلف. وخطر تلك الفئة لا يكمن في وجودها، بقدر ما يتوقف على مدى وعي أفراد المجتمع وإدراكهم الآثار السيئة الوبيلة، التي يلحقونها في مجرى حياة الأمة ومصيرها. والخطأ غير المقصود في دنيا البشر واقع أساسي لا يمكنهم -مهما سمت أفكارهم وعلت مفاهيمهم- أن يتغلّبوا على أسبابه ودوافعه، وقد غفره الله لعباده لعلمه بخلوّهم من العصمة، وتجردهم عن الكمال، «والعاملون المخلصون» قد أكرم الله جهادهم، فأثابهم على الأخطاء المخلصة أجرا وفضلا، لئلا تنطفئ جذوة العمل، وتخمد شعلة الكفاح، وحسب المخلصين -غبطة- هذا الواقع المشرق الكريم ليقاوموا بهديه كل باطل، وينتصروا بفعاليته على كل حقد، والنظرة العادلة الفاحصة تقضي أن يجد العامل من مجتمعه من التشجيع والرضا ما يوقظ عزيمته ويجد كفاحه، وأبخل الناس من عجزت نفسه عن كلمة خير وظاهرة تشجيع. أما أولئك الحاقدون الفاشلون، فعليهم دائرة السوء، وسيجدون من المخلصين ما تضيق به نفوسهم المريضة، عزما، وكفاحا، وتضحية، في حرب سلمية لا تهدأ، ولن يلقوا من يأبه بهم أو ينخدع بباطلهم، وستظل قافلة البناء المخلصة النزيهة منطلقة هادفة إن شاء الله، تدفعها في إصرار ودأب السواعد المؤمنة الفتية، لتحقق لأبنائه الخير والنصر والمستقبل الأفضل، وسيبقى أعداؤها في أوحالهم وأحقادهم، تجمعهم دائرتهم المعتمة، ويحتويهم واقعهم الهزيل. * من كتاب «دورنا في الكفاح» * 1961