بعد مرور عام على الانتخابات الرئاسية الإيرانية، وما صاحبها من جدل على المستويين الداخلي والخارجي، والتي انتهت بفوز الرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد بولاية رئاسية ثانية، في الثاني عشر من يونيو 2009، بعد عام كامل، مازال الجدل مستمرا، طارحا العديد من الأسئلة، وفي مقدمها مستقبل العلاقات الإيرانية العربية، والإيرانية الخليجية بشكل خاص، وهي العلاقات التي يضعها الأستاذ في "الجامعة اللبنانية" والمحلل السياسي، الدكتور طلال عتريسي، في خانة العلاقات "غير الدافئة نسبياً". تصدع العلاقة.. الملف النووي وفقاً للخبراء والمحللين السياسيين الذين تحدثت إليهم "الوطن"، في معرض تحليل العلاقة البينية والاستراتيجية بين العرب وطهران، يحتل "الملف النووي الإيراني" مكانة في مقدمة القضايا المختلف عليها، والتي هي موضع خلاف بين الجانبين، ولعل بيان المجلس الوزاري الخليجي الأخير، في دورته الخامسة عشرة بعد المئة، في الثالث والعشرين من مايو الماضي، المنعقدة في جدة، والذي يعبر عن الموقف الدبلوماسي الخليجي، ويوضح عددا من الاعتبارات المهمة التي وردت في مضمون البيان منها، يمثل رسالة خليجية واضحة لطهران، حيث جاء فيه "فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني، أكد المجلس الوزاري مجدداً، مواقفه الثابتة بشأن أهمية الالتزام بمبادئ الشرعية الدولية، وحل النزاعات بالطرق السلمية، وموقفه الرامي إلى جعل منطقة الشرق الأوسط، بما فيها منطقة الخليج، منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل والأسلحة النووية، مرحباً بكافة الجهود الدولية الهادفة للتوصل إلى حل سلمي للملف النووي الإيراني، وبخاصة تلك التي تبذلها مجموعة (5 +1)، والوكالة الدولية للطاقة الذرية، وأثنى المجلس على جهود تركيا والبرازيل في المساعدة على التوصل إلى حل سلمي للبرنامج النووي الإيراني، ضمن إطار الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، بما يحقق خلو منطقة الشرق الأوسط من السلاح النووي، بما في ذلك إسرائيل". ليعود المجلس "بدبلوماسية هادئة"، ليؤكد على "حق دول المنطقة في استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية، في إطار الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، ووفق معايير وإجراءات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتحت إشرافها، وتطبيق هذه المعايير على جميع دول المنطقة دون استثناء". ويجدد البيان الوزاري في علاقته مع إيران "التأكيد على أهمية الالتزام بالمرتكزات الأساسية لعلاقات حسن الجوار، والاحترام المتبادل، وحل الخلافات بالطرق السلمية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية". وهذا البيان الوزاري عند قراءته بعناية، يلحظُ أنه جاء ليؤكد رؤية القادة الخليجيين في قمة الكويت الماضية، في منتصف ديسمبر 2009. افتقاد التقريب الواقعي الخبير في الشؤون الإيرانية، الدكتور طلال عتريسي، يقر بأن "النووي الإيراني، يمثل هاجس قلق خليجي، على عدد من المستويات العسكرية، والأمنية، والبيئية". وبرغم وجود هذا "الهاجس"، لدى دول الخليج، إلا أن عتريسي يعتقد ب"عدم وجود رؤية أو موقف عربي موحد، إزاء التعامل مع طهران". إلا أنه يحمل الجانبين العربي والإيراني مسؤولية عدم وجود ما أسماه "مبادرات التقريب الواقعية والحقيقية، على حساب الانشغال بقضايا أخرى، تمس الأمن القومي الداخلي لكلا الجانبين". ويضيف الدكتور عتريسي "بعد عام من بقاء نجاد لولاية رئاسية ثانية، لا تزال علاقة التوتر هي الطاغية في المنطقة". رابطة الجوار العربي لكن، هذه الحالة من القلق لدى الجانبين الإيراني والعربي، يرى الدكتور طلال عتريسي، أن أفضل حل لها، هو العمل على "مسار التهدئة والحوار، بغية الاستقرار الإقليمي في المنطقة"، ويشير إلى تفعيل مبادرة إنشاء "رابطة دول الجوار العربي"، التي طرحها أمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى، في كلمته أمام مؤتمر القمة العربية المنعقد في مدينة "سرت" الليبية في نهاية شهر مارس/آذار الماضي، والتي رأى فيها عتريسي "فرصة مواتية"، لتحريك المياه الراكدة في الحوار بين طهران والعرب، رغم أن هذه المبادرة لم تدخل إلى "حيز التطبيق الرسمي"، إلا أنها أخذت حظاً واسعاً من النقاش السياسي، فبينما رحب بها البعض وتحمس لها، رفضها البعض الآخر وشكك في دوافعها وفي أهدافها، متسائلا عن مغزى توقيتها في مرحلة يبدو فيها النظام العربي في "أضعف حالاته"، واستنكر طرح مبادرات تستهدف ترتيب علاقات النظام العربي بدول الجوار، في وقت "يبدو فيه البيت العربي من الداخل في أمس الحاجة إلى إعادة ترتيب وترميم"، بحسب منتقدي طرح عمرو موسى. حيثيات المبادرة الاستراتيجية أستاذ العلوم السياسية بجامعة "القاهرة" الدكتور بشير نافع، يرى أن "مبادرة موسى" جاءت لعدد من العوامل أهمها محاولة للبحث عن "آلية جديدة تسمح بإعادة ترتيب الأوراق في المنطقة لمصلحة العالم العربي، وذلك من خلال السعي لتحقيق ثلاثة أهداف متكاملة ومتناسقة، الأول خلق تكتل إسلامي داعم للعالم العربي في صراعه مع إسرائيل، بالاستفادة من إرادة التحدي لدى إيران، من ناحية، وإرادة التهدئة لدى تركيا من ناحية أخرى، وتوظيفهما معا لحمل إسرائيل على تغيير موقفها الساعي لفرض تسوية بشروطها على العالم العربي، فيما يشير الهدف – كما يراه نافع - فتح الباب أمام حوار عربي إيراني من ناحية، وأمام حوار عربي تركي من ناحية ثانية، وأمام حوار عربي تركي إيراني من ناحية ثالثة، لغلق الطريق أمام المحاولات الرامية لإثارة الفتن الطائفية في المنطقة". ويتعلق الهدف الثالث من "مبادرة موسى"، بحسب نافع إلى "إجهاض المحاولات الساعية لعزل إيران أو ضربها، تفاديا لأضرار فادحة قد تلحق بالعالم العربي، في حال تكرار السيناريو العراقي مرة أخرى". غياب الأجندة هذه الرؤية الإيجابية لمبادرة أمين عام الجامعة العربية عمرو موسى، والتي أيدها عتريسي ونافغ، يختلف معهما فيها الأكاديمي السعودي وأستاذ علم الاجتماع السياسي، الدكتور خالد الدخيل، معتبرا أن المبادرة ليس بوسعها أن تقرب وجهات النظر بين طهران والعرب، أو أن تعد محركاً لعودة العلاقات بين الجانبين، متسائلا في حديثه ل"الوطن" أنه "على أي أساس تقوم هذه المبادرة؟ فالعرب ليست لديهم أجندة وأوراق قوية في التحاور مع الأطراف الإقليمية المهمة، خاصة مع الجانب الإيراني، الذي لديه قوة عسكرية ضاربة تنمو مع الوقت". الدخيل يعتقد أن إيران لا تريد محاورة العرب، "بقدر ما تريد بسط نفوذها السياسي على دول المنطقة، خاصة الخليج العربي". ويؤكد الدخيل من جهة اخرى "أن إشكالية النظام السياسي العربي في حوراه مع طهران، أنه يفتقد لمشروع سياسي ورؤى استراتيجية واضحة، يقابله في الضفة الأخرى مشروع سياسي إيراني يعرف ماذا يريد". ولا يكتفي الدخيل بذلك بل يذهب للقول "سواء بقي نجاد لولاية رئاسية ثالثة –الدستور الإيراني لا يسمح بأن يتولى الرئيس أكثر من ولايتين متتاليتين- أو ذهب وجاء غيره من التيارات الإصلاحية، فلن تتغير أسس المشروع الإيراني القائم على سياسية التمدد الشيعي السياسي الديني، الذي يريد السيطرة على نفوذ المنطقة، ونظرية ولاية الفقيه"، بحسب وجهة نظر الدخيل. مواقف إيرانية متناقضة رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة الكويت، الدكتور عبدالله الشايجي، يتفق مع وجهة نظر الدكتور خالد الدخيل، في كثير من مفاصلها، ويضيف في تعليقه ل"الوطن"، أن هناك "قلقاً عربياً أكثر من كونه تخوفاً من الجانب الإيراني، ويعود ذلك إلى التناقض في المواقف الإيرانية، كونها تريد أن تكون دولة محورية في المنطقة، لها أطماعها التوسعية ذات النسق الطائفي، عبر مشروعها في الخارطة الدولية، في المقابل غياب تام لمشروع الدولة العربية المركزية". حق إيراني مشروع إلا أن الشايجي يعود ويؤكد أن "من حق إيران أن يكون لها مشروع سياسي، ولكن ليس على حساب مصالح الأمن القومي العربي"، مستشهداً بالتمدد الجيو استراتيجي الإيراني من ناحية غرب أفغانستان، والخليج العربي، والوجود الفلسطيني من خلال المقاومة الفلسطينية (حماس، والجهاد الإسلامي)، إلى جانب تمددها في دول بحر قزوين (آسيا الوسطى)، والبحر الأبيض المتوسط، وأفريقيا. ووفقا للدكتور الشايجي فإن "الأهداف الخلفية لهذه التمددات، هو الوصول للدولة المحورية ومقايضة الدول". حيث أشار الدكتور الشايجي أن "طهران منذ عشر سنوات تقريباً، لجأت لحماية نفسها بهذا التوسع، في محاولة منها لتعزيز وجودها الذي لا يمكن تجاهله، وكسر الحصار الأمريكي المفروض عليها منذ 31 عاماَ". لا استخدام للنووي وفيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، الذي هو مثار خلاف وجدل مع دول الخليج على وجه الخصوص، رأى الدكتور الشايجي أن إيران "حتى ولو امتلكت السلاح النووي، فإنها لن تستخدمه لأغراض هجومية إطلاقاً، ولكنها ستستفيد منه في كسب المزيد من التنازلات، سواءً من المجتمع الدولي، أو من دول منطقة الخليج خاصة، والعرب عموماً". إيران وإسرائيل الشايجي اعتبر بحسب قراءته لتطورات الوضع في المنطقة، أن "الخطرين الإيراني والإسرائيلي، خطر مزودج، لأنهما يملكان نفس الأطماع التوسعية، ولا نبالغ في القول، من أن الأمن القومي العربي واقع بين المطرقة الإسرائيلية والسندان الإيراني". ويؤكد الشايجي أن هناك "مسؤولية على عاتق الدولتين الإقليميتين الكبريين (مصر والسعودية)، حيث تمثلان نواة تكوين قوة ممانعة فعالة، أمام المارد الإيراني". الدور التركي وبعيداً عن التباين السياسي يرى الدكتور طلال عتريسي يرى أنه يمكن أن يكون هنالك دور تركي وسيط في تعزيز الحوار ومقبول بدرجة كبيرة من جميع الأطراف، سواء الإيراني والعربي، خاصة بعد أحداث أسطول الحرية، وموقف أنقرة المرحب به من قبل الساسه العرب"، مضيفا "اعتقد أن تركيا يمكنها أن تلعب هذا الدور بشكل جيد، في تحسين العلاقة بين الجانبين، وذلك لمصلحة الجميع". الملف الفلسطيني لم يختلف كل من الدكتورين خالد الدخيل وطلال عتريسي من أن "مسار القضية الفلسطينية يعد جانبا مهما في تعزيز الحوار بين طهران والعرب"، ويشيران إلى أن عددا من الدول العربية، وخاصة دول ما يسمى ب"محور الاعتدال"، ترى أن طهران "خطفت القضية الفلسطينية بتدخلاتها، مع الشعور بمنطق التنافسية"، ويقول الدخيل "على الأطراف العربية أن تعيد حساباتها في التعامل مع القضية الفلسطينية بشكل جديد، حتى تتحول لورقة ضغط قوية في التحاور مع طهران". العقوبات على طهران العقوبات الجديدة التي فرضتها واشنطن ودول الاتحاد الأوروبي، عبر مجلس الأمن الدولي، على طهران، في الأيام القليلة الماضية، بحق البرنامج النووي الإيراني، ستكون نقطة محورية في العلاقات بين إيران والدول العربية بشكل عام، والخليجية بشكل خاص، ويتضح ذلك في كيفية التعامل مع العقوبات التي تستهدف بشكل خاص، قطاعي الغاز والنفط. وفي هذا الصدد، أفردت ورقة بحثية معمقة، صدرت في مايو الماضي، وحملت عنوان "مآل العقوبات على إيران، وموقف الدول المؤثرة والمحيطة"، هذه الدراسة رأت أن "دول الخليج العربي لن تشجع العقوبات على إيران، لكنها مع ذلك ستلتزم بها فور إقرارها دوليًا (وليس من جانب الدول الكبرى في شكل أحادي)، لأنها جميعا معنية بتجنب الحرب، وعدم تكبد كلفتها العالية، ولأن الشكوك تجاه إيران في تزايد مستمر في عواصم هذه الدول". ويستخلص التقرير أن "عدم قدرة إيران وجوارها العربي عمومًا، والخليجي خصوصًا، على تأسيس علاقات إقليمية مستقرة، بالرغم من كل الوشائج والروابط التي تجمع بين الطرفين، قد جعل المنطقة أشبه بمنطقة فراغ تستدرج صراعًا غربيًا إيرانيًا، وجعل العرب عمومًا عاجزين عن المبادرة لإيجاد حلول تبعد شبح العقوبات في منطقة هم معنيون بها، وبضمان أمنها واستقرارها، قبل غيرهم".