ما أن تسير في شوارع الرياض، وخصوصاً بعض أحيائها، حتى تلفت نظرك تلك اللوحات التي تحمل مسميات غريبة مثل "الفوطة" و"لبن" و"أم الحمام"، فيتبادر إلى ذهنك التساؤل حول ما تعنية تلك الأسماء، وتثير استغرابك حين تكتشف أنها مسميات لأحياء قديمة وعريقة في ذات الوقت، وهو الأمر الذي ما زال يشغل أمانة منطقة الرياض، في مشروعها الذي يهدف إلى استخدام التقنية الحديثة لتسمية وترقيم الشوارع والأحياء في العاصمة، حيث تجد تلك الأسماء تباينا بين من يطالب بتغييرها، وبين مؤيد لبقائها كنوع من المحافظة على تاريخ العاصمة وعبق ماضيها. معادلة التجديد وحفظ التراث وتبدو معادلة التجديد مع الحفاظ على ما تعنيه هذه الأسماء من تراث صعبة نوعا ما، فمعظم أسماء الأحياء تعود لبعض المواقع الشهيرة فيها، أولبعض المواقف التاريخية، أو الطبيعة الجغرافية، وقد أكدت أمانة منطقة الرياض أنه سيراعى عند البدء بنظام التسمية المحافظة على المسمّيات المتعارف عليها قديماً، والحفاظ على تراث المكان، والإبقاء على التسميات التي ترتبط تاريخياً باسم معين كما تمت مراعاة الأهمية، والقدم وملاءمة الاسم للمكان المسمى به. ورصدت "الوطن" خلال جولتها في بعض الأحياء أسماء غريبة نوعا ما مثل "لبن" و"الفوطة" و"أم الحمام" و"الجرّاديّة" و"المونسية" و"السبالة" و"عليشة" وغيرها، والحال نفسه ينطبق على أسماء بعض الشوارع الفرعيّة، والتقت بعدد من سكان حي "لبن" غرب الرياض، ومنهم المواطن تركي بن جابر الذي تبسم حين سألناه عن اسم حيّه الذي يقطن فيه، وقال ساخرا "لبن اسم طبيعي، وهو وصف دائما ما اسمعه كنوع من الدعابة من بعض الضيوف والزوار الذين يحضرون من خارج مدينة الرياض" ويضيف "حين يسألني أحدهم عن عنوان منزلي، وأذكر له اسم الحي يضحك ويبادرني بقوله: لم يجدوا إلا هذا الاسم". وأضاف أن بعضهم يطلقون عليه عبارات تجعله يحاول قدر الإمكان تجنّب ذكر اسم الحي مباشرة ويسبقه بمسمى "ضاحية أو ظهرة لبن" وهي المسميات الرسميّة التي تحملها اللوحات الإرشادية للحي، لكنه معروف لدى السكان باسم حي "لبن" نسبة إلى "وادي لبن" الشهير الذي يخترق الحي ويطل على أجزاء كبيرة منه. عراقة لا تنفي الحرج يجد سكانو حي "الفوطة" وسط الرياض الحرج ذاته من المسمى، برغم كون التسمية جاءت نسبة إلى "حديقة الفوطة" الشهيرة التي افتتحت عام 1377ه، وتعتبر أقدم حديقة في العاصمة، حيث يقول المواطن عبدالله حرازي "أحد ساكني الحي" إنه رغم عراقة الحي وتاريخه الطويل في قلب العاصمة إلا أن مسماه محرج لبعض قاطنيه كونه يحمل اسم أداة تنظيف "منشفة"، فقد يستغلها بعضهم في إطلاق النكات على الساكنين كنوع من الدعابة، مشيرا إلى أنه لا يعلم الاعتبارات التي تضعها الجهات المعنية عند تسمية الأحياء، لكنه يؤكد على ضرورة إعادة النظر في بعض المسميات التي ربما يكون تغييرها أفضل من بقائها على حالها، فيما اختلف معه المسن مبارك الدوسري الذي أشار إلى أهمية المحافظة على تراث المدينة وتاريخها الطويل، ومن ذلك أسماء أحيائها القديمة التي ارتبطت لدى الكثيرين بالماضي الجميل، وببداية طفولتهم وحياتهم البسيطة قبل التطور العمراني للمدينة وترامي أطرافها التي أفقدها الكثير من شكلها القديم الذي يتذكره الآباء والأجداد بالكثير من الذكريات الجميلة. ارتباط تاريخي "الوطن" توجهت بأسئلتها لمدير التسمية والترقيم بأمانة منطقة الرياض المهندس عامر بتال الدوسري الذي علّق على هذه المسألة بقوله "حرصت الأمانة عند البدء بنظام التسمية، على المحافظة على المسمّيات المتعارف عليها قديماً، كما روعي في التسمية الحفاظ على تراث المكان، والمحافظة على التسميات التي ترتبط تاريخياً باسم معين، كما تمت مراعاة الأهمية والقدم وملاءمة الاسم للمكان المسمى به". وبسؤاله عن مصادر التسمية للأحياء، قال الدوسري "عادة ما تكون أسماء للصحابة وأمهات المؤمنين رضوان الله عليهم وللخلفاء الراشدين والتابعين، وأسماء الأئمة والملوك والأمراء، ومشاهير القادة العرب والمسلمين خلال التاريخ الإسلامي، وكذلك أسماء الأئمة والفقهاء والمحدثين، وأشهر المعارك الحربية في التاريخ الإسلامي، وأيضاً أسماء العلماء والشعراء والأدباء، وقادة دول مجلس التعاون، وكذلك أسماء المدن والقرى السعودية والعربية والإسلامية، وأسماء الأودية والأنهار والجبال". وحول آلية ترقيم المنازل، قال إن عناصر العنوان البلدي تتكون من رقم العقار واسم الشارع واسم الحي، ويتم ترقيم العقارات من بداية الشارع حتى نهايته ويكون ذلك بطريقة تصاعدية من الجنوب إلى الشمال ومن الغرب إلى الشرق، بحيث تصبح الأرقام الفردية على الجانب الأيسر والزوجية على الجانب الأيمن من الشارع، وهو نفس النظام المتبع في عدة دول أجنبية وعربية، مضيفا أن الأمانة ممثلة بإدارة التسمية والترقيم قامت بإصدار معجم لأسماء الشوارع بمدينة الرياض الذي اشتمل على نبذة تاريخية عن أسم الشارع، وسيصدر هذا المعجم بالصيغتين الورقية والرقمية. تقنية العنونة الجديدة وأشار الدوسري إلى أنه بدعم وتوجيه من أمين منطقة الرياض الأمير عبدالعزيز بن محمد بن عياف، ومواكبة للتقنيات الحديثة، واستخدامها في تسهيل الوصول إلى العناوين، وربطها بالإحداثيات وأجهزة الملاحة، ومن أجل نشر ثقافة العنوان قامت إدارة التسمية والترقيم بعدد من الخطوات التي استخدمت فيها التقنية الحديثة ومن ذلك "لوحات العنونة الجديدة" وهي عبارة عن تصميم لوحة العنوان لتشمل جميع عناصر العنوان التي تتكون من اسم الحي والشارع، ورقم العقار باللغتين العربية والإنجليزية، ليفهمها الزائرون والمقيمون الأجانب، كما زودت اللوحات الجديدة ب"الباركود" الذي يشمل جميع عناصر العنوان السابقة بالإضافة إلى إحداثيات العقار، ورابط لمعاينة الموقع على الخريطة، وتم الانتهاء من تركيب 60 ألف لوحة من لوحات العنونة الجديدة المزودة بالباركود في أحياء متفرقة من مدينة الرياض وجارٍ استكمال بقية الأحياء. ولفت الدوسري إلى أنه يمكن قراءة الباركود بأجهزة الجوالات الحديثة، أو تحميل تطبيق خاص لقراءتها وهو تطبيق مجاني يسمح بإرسال العنوان كرسالة نصية، أو مشاركتها على مواقع وشبكات التواصل الاجتماعي مثل "Facebook - twitter - whatsapp"، وعند إرسال العنوان يظهر للمستقبل مسار الوصول للعنوان على الخريطة مع اتجاهات القيادة. وأضاف قائلا "إن الأمانة فعّلت "برنامج العنونة" على أجهزة الجوال الحديثة وهو تطبيق تم تطويره ليعمل على الجوالات الذكية ليساعد المستخدم في عملية البحث عن العنوان بطريقة البحث الحر، أو البحث المساعد وإظهار نتيجة البحث على الخريطة مع توضيح مسار الوصول للعنوان مع الملاحة بالتوجيه الصوتي، إضافة لنظام أجهزة الملاحة الGPS حيث تم تنزيل طبقة أسماء شوارع وأرقام عقارات مدينة الرياض على أجهزة الملاحة المعروفة ب "GPS"، إضافة لإصدار "دليل معالم مدينة الرياض"، وهو تطبيق على الجوالات الذكية يقوم بالبحث عن معنى ووصف اسم الشارع وكذلك البحث عن معالم الرياض مصنفة، كما يمكن البحث عن العناوين من خلال الخريطة التفاعلية في موقع الإدارة على الإنترنت nn.alriyadh.gov.sa، إضافة لبرنامج البحث عن عنوان "الكروكي" حيث تم إنتاج برنامج على أقراص مدمجة، يتم فيه إدخال عناصر العنوان "رقم العقار – اسم الشارع – اسم الحي" للحصول على كروكي للموقع متضمناً الإحداثيات للعنوان المطلوب.