سرّعت الحكومة السويسرية من وتيرة تحرّكها لقطع الطريق أمام المبادرة، التي أطلقها سياسيون يمينيون متشددون، والداعية لحظر بناء المآذن في الكنفدرالية، ووجّهت توصية تدعو البرلمان إلى رفضها وعدم اقتراح بديل عنها.لأنها تنتهك حقوق الإنسان وتهدِّد السِّلم الديني، ولا تساهم بتاتا في التصدّي للأصولية الإسلامية. جاء ذلك من خلال بيان للحكومة نُشر يوم الأربعاء 27 أغسطس الجاري ، اكدت فيه رفض واستهجان فكرة حظر بناء المآذن في سويسرا. في المقابل، يتعارض نصُّ المبادرة مع العديد من بنود المعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان والعهد الدولي المتعلِّق بالحقوق المدنية والسياسية، الصادر عن الأممالمتحدة، وعلى رأسها الحرية الدينية. ومع أن القانون الدولي يُتيح إمكانية تقليص الحريات الدينية في بعض الحالات، إلا أن ذلك يتمّ بشروط "غير متوفِّرة في هذه الحالة"، حسب ما جاء في نصّ الرسالة. ونوّهت الحكومة أيضا إلى أن حظرا عاما لبناء المآذن، لا يُمكن أن يُبرّر بالحفاظ على الأمن والنظام العام، كما أنه يطرح مشكلة فيما يتعلّق بمبدأي التناسب (أي أن حجم المقترح لا يتلاءم مع المخاطر أو التهديدات المزعومة) وعدم التمييز، نظرا لأن المبادرة تستهدف رمزا دينيا للإسلام وغير معنية بالمباني المشابهة لديانات أخرى. وذكِّرت الحكومة بما جاء في الدستور الفدرالي، وخاصة بنوده الضامنة للمساواة أمام القانون وحرية العقيدة والضمير وحماية المِلكية واحترام القانون الدولي، دون نسيان أن الحظر المطلوب يتعدّى، "بدون مُبرّر معقول"، على الصلاحيات التي تتمتع بها الكانتونات (وعددها 26 في سويسرا)، باعتبار أن السلطات المحلية هي الأقدر على تقييم مشاريع البناء المقترحة والحُكم عليها. لم تتوقّف المبررات التي أوردتها الحكومة الفدرالية في رسالتها الموجهة للبرلمان عند الاعتبارات القانونية، بل تعبِّر عن اقتناعها بأن المبادرة تُخطئ هدفها، لأن حظر المآذن لن يؤدّي إلى الوقوف بوجه انتشار الإسلام أو إلى التوقّي من الإرهاب، مثلما يقول أصحابها. . وفي الندوة الصحفية التي عقدتها السيدة إيفلين فيدمر شلومبف في برن لشرح وجهة النظر الحكومية أكدت بأن "مشكلة الأصولية ليست مرتبطة ببناية بل بأشخاص" وذكرت بأن لدى الكنفدرالية والكانتونات وسائل ناجعة لتأمين الأمن الداخلي حيث يمكن منع شخص مشتبه فيه من دخول سويسرا أو سحب ترخيص إقامة وهي إجراءات سبق أن طبقت على بعض الدعاة. ومثلما هو الحال بالنسبة لجميع السكان في سويسرا، فإنه لا يُمكن للمسلمين أن يضعوا أنفسهم فوق القانون، لكن لا يوجد في مقابل ذلك أي سبب لإخضاع ممارسة ديانتهم لقواعد أكثر صرامة. وفي هذا السياق أشارت وزيرة العدل والشرطة إلى أنه لا وجود لإجراءات ضد المآذن في البلدان المجاورة (أي فرنسا وإيطاليا وألمانيا والنمسا). على العكس من ذلك، يُمكن أن يؤدّي حظرٌ لبناء المآذن إلى تهديد السِّلم الديني في البلاد وإلى الإساءة إلى عملية إدماج السكان المسلمين في سويسرا. وفي خطوة استثنائية ، أعلنت الحكومة الفدرالية اعتزامها دعوة الشعب وغرفتي البرلمان الفدرالي، إلى رفض النصّ المقترح، وقالت ان الخطوة الاستثنائية هي من اجل طمأنة البلدان الإسلامية، التي حرص المسؤولون والدبلوماسيون السويسريون على إعلامها في مناسبات متعددة بأن الأمر "لا يتعلّق بمبادرة صادرة عن الحكومة السويسرية أو عن البرلمان الفدرالي". الجدير بالذكر ان اللجنة، التي تقف وراء هذه المبادرة، قد برّرت مطالبتها بأن المآذن لا تمثل مباني ذات طابع ديني، معتبرة إياها "الرمز الظاهر لمطالبة سياسية دينية بالسلطة، تضع الحقوق الأساسية موضِع تساؤل". و"مَن يضع الدين فوق الدولة – مثلما هو الحال في الإسلام – يجد نفسه في تعارض تامّ مع الدستور الفدرالي". ومهما يكن من أمر، الكلمة الأخيرة تعود إلى نواب الشعب، الذين لم يُعلنوا عن موقفهم بعد. وفي صورة رفضهم لتوصية الحكومة وموافقتهم على السماح بعرض المبادرة على التصويت الشعبي، فإن موعد الاقتراع على المبادرة قد يُحدَّد في عام 2009، حسب أقرب الاحتمالات