درت المملكة العربية السعودية تقريراً يوضح ما حققته «رؤية 2030» خلال 9 سنوات، أتى حافلاً بالأرقام التي تبرهن ما حقّقته الرؤية. وأنا هنا لن أتحدث عن الأرقام التي حقّقتها، فهي منشورة في التقرير الوافي الصادر عن السعودية، إنما السؤال المطروح؛ ماذا حققت الرؤية خلال السنوات التسع الماضية؟ للإجابة عن هذا السؤال، لن أتطرق إلى الأرقام والمقارنات الحالية والسابقة بين أين كانت السعودية؟ وأين وصلت؟ لكني سأتحدث عن كيفية وصول السعودية لهذه الأرقام. في السابق، قبل «رؤية 2030»، كانت السعودية تقيّم المشاريع وفق الحاجة دون دراسة مستفيضة لما تهدف إليه، وقد تؤدي إلى نتائج مذهلة أو بالعكس. في رأيي، إن أهم ما حقّقته رؤية سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أولاً هو تحديد الأهداف التي ينبغي الوصول إليها بدقة متناهية، ومن ثم اختيار الطرق التي تؤدي إليها، ورسم خطة عمل لبلوغ الأهداف، محددة بفترة زمنية. ويلي ذلك إنشاء مكاتب تحقيق الرؤية لمتابعة سير الرؤية في كل مجال. ثانياً، حدّدت الرؤية هدفاً واضحاً، وهو تنويع الاقتصاد والابتعاد عن النفط كمصدر وحيد لدخل الدولة، ونجحت في ذلك، حسب الأرقام المعلنة. ولعل التحول من الطاقة التقليدية إلى الطاقة المتجددة والطاقة النووية السلمية المزمع توقيع اتفاقيتها مع الولاياتالمتحدة يقود لهذا الاتجاه. ثم نأتي للأهم، وهو مشروع التحول الرقمي أو الحكومة الإلكترونية. فخلال 9 سنوات، تقدمت السعودية بشكل سريع في مجال التقنية بحيث أصبحت جميع الوزارات التي تقدم خدمات للمواطن تؤمّنها إلكترونياً بشكل أذهل الجميع، بل تجاوزت السعودية دولاً سبقتها في هذا المضمار. ثالثاً، الضبط المالي، فقد أصبح هناك ضبط مالي للمشاريع وفق ميزانية محددة، تمكن مراجعتها وفق الحاجة. وهنا قلّ الهدر المالي. رابعاً، المراجعة المستمرة للمشاريع ومحاسبة المقصّرين والمتأخرين في إنجاز مشاريعهم. خامساً، وهو الأهم في نظري، الحرص على التعليم النوعي؛ فلم يعد الابتعاث للتعليم عشوائياً، بل أصبح مقيداً بتخصصات معينة وبقدرات تحصيلية مقيسة مثل إجادة اللغة، وأن يكون الابتعاث لجامعة من أفضل 200 جامعة في العالم في التخصص المراد الابتعاث له. وأظن الشروط زادت ليصبح الابتعاث مقصوراً على أفضل 100 جامعة في العالم، وهذا سيخرج لنا مدخلات مقبولة في الإنتاج. لقد ركّزت السعودية على النشاطات الأكثر توليداً للوظائف، مثل قطاع السياحة والقطاع الخدمي واللوجيستي. وكانت الرؤية مرنة وغير متعصبة لمشاريعها، بحيث تراجع هذه المشاريع والأهداف، ويصحح المسار عبر السير قدماً في المشاريع الناجحة وتعديل أهداف المشاريع المتعثرة، وإلغاء تلك التي اتضح عدم جدواها.إن إطلاق المشاريع المتعددة دون خطة واضحة قد يخلق فوضى عملية، لذلك جاءت «رؤية 2030» لضبط هذه الفوضى. ودمتم نقلا عن الشرق الأوسط