قبل بضعة أسابيع كنت حظياً ومحظوظاً بلقاء الصديق النبيل الشاعر محمد بن زايد الألمعي رفيق الحرف وصاحب الكلم الطيب شعراً ونثراً وخلقاً. لقيته في القاهرة واستضافني مكرماً لي وسعدت به أيما سعادة وبالأمس توالت الأنباء عن رحيله رحمه الله وعفى عنه. اغترب في القاهرة، لا غريباً عن الوطن ولا مسارات الإبداع، بل توهج رغم آلام المرض في رسم التمتع بالحياة بالابتسام الدائم وحب الناس من حوله. غردت بعد تلقي الخبر الفاجع: أحتسب عند الله أخي الحبيب محمد زايد الألمعي غفرالله له. أي فجيعة وأي مصاب أيها النبيل. لم يجف فرحي بلقياك قبل أسبوعين. لا أملك سوى الابتهال إلى الله جل وعلا أن يغفر لك ويرحمك. أنا لا أعزي بنيك بل أتقبل معهم العزاء وزوجتك. دام لك خلود الذكر الطيب حياً وميتاً. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}. الراحل العزيز كان وزوجه ينقلان أثاث بيتهم إلى منزل جديد مطل على نهر النيل في برج سكني وحاولا أن يتسضيفاني في منزلهما الجديد بما قالا إنه يليق به أن أحتفل معهما. لكن رحلتي للعودة للوطن كانت العذر لهما ومنهما. في ذكرى رحيل الألمعي سمة ونسباً أستعيد بعضاً من قصيدة أستاذي الراحل الكبير غازي القصيبي رحمه الله التي رثى بها صديقه يوسف الشيراوي رحمه الله: هنا الأبيات المختارة لروح الحبيب محمد بن زايد. ومواساة لإخوانه وبنيه ولكل ألمعي يا أعزَّ الرِّفاقِ! ماذا تقول: أطويلٌ هذا الأسى.. أم يطولُ؟! وليالي الفراق كيف تراها وشعاع الصباح فيها قتيلُ؟ يا أعزَّ الرفاق.. يعرف قلبي أنَّ حمل الفراقِ عبءٌ ثقيلُ ولياليه.. موحشاتٌ.. شكُولُ وأماسيه.. رنّةٌ وعويلُ وتراءَيْت لي.. ووجهُكُ حبٌّ وحنينٌ.. ولهفةٌ.. وذهولُ وتأمّلتنَي.. وقُلتَ: «توقفْ! لا أطيق الدموعَ حين تسيلُ هذه سنّةُ الحياةِ: غروبٌ وشروقٌ.. ومنزلٌ ورحيلُ وكبيرٌ مضى.. وجاءَ صغيرٌ وفصولٌ وراءَهن أعقلُ الناس من يعيشُ.. ويدري أن هذي الحياةَ طيفٌ يزولُ في أساريركَ ابتسامٌ مُريحٌ على ناظريْكَ حُلْمٌ نبيلُ يا أعزَّ الرّفاق.. إنتصفَ الليلُ.. كِلانا في صبحه مشغولُ نَمْ قريراً! لديْكَ حُزني وضِحكي «فعلى أيِّ جانبيْكَ تميلُ؟» وتذكرت رثاء الشاعر المبدع حمد العسوس الخالدي، للدكتور غازي القصيبي حيث قال: لا تدفنوه فإن الدفن يرفضه لا تدفنوه فإن الدفن إنكار هذا الذي بين أيديكم جنازته بدر وبحر وإبداع وأفكار هذا الذي بين أيديكم جنازته نوء وضوء وأشعار وإسرار هذا الذي بين أيديكم جنازته علم وحلم وإقدام وإصرار هذا الذي بين أيديكم جنازته مجاهد مخلص حر ومغوار بالتزامن مع الجزيرة