| الخميس 1 ديسمبر 2022 كان حدثا رائعا، كان منطلقا للحماس والثقة، وكان محفزا لنشاطات المستقبل وطموحات التفوق، ليس في مجال كرة القدم فقط، بل في شتى المجاالت. كان أيضا هدية ثمينة من المملكة إلى عالميها العربي واإلسالمي، فاحتفاالت الحدث لم تقتصر على المملكة وحدها، بل عمت أرجاء كثيرة في هذين العالمين. على مستوى العالم، كان الحدث مفاجئا، لقد تفوق فريق كرة القدم السعودي الذي يحمل التصنيف ال "51 "لدى االتحاد الدولي لكرة القدم FIFA ل 2022 على فريق األرجنتين الذي يحمل التصنيف "3 "لدى االتحاد ذاته. جاء هذا االنتصار في اللقاء الدوري لكرة القدم الذي يشهده العالم كل أربعة أعوام، وتستضيفه حاليا، في دورته ال 22 ،دولة قطر بتنظيم متميز مشهود. ليس النجاح في كرة القدم أمرا سهال، فالعالم بأسره يتنافس على ذلك. التنافس على هذا النجاح قائم على مستوى األفراد الالعبين، وعلى مستوى الخبراء المدربين، وعلى مستوى النوادي الرياضية، فضال أيضا عن مستوى الدول. ويضاف إلى كل ذلك الجوانب االجتماعية واالقتصادية، بل السياسية، التي تواكب هذا التنافس. ينظر هذا المقال في الدروس التي يقدمها التوجه العالمي نحو التميز في لعبة كرة القدم، للمجاالت األخرى. ففي هذه الدروس ما يمكن أن يحفز هذه المجاالت على السعي أيضا نحو التفوق وتحقيق إسهام أكبر في معطيات الحياة المختلفة. وتجدر اإلشارة هنا إلى أن هناك أمرا يميز مجال لعبة كرة القدم عن كثير من المجاالت األخرى. ويتمثل هذا األمر في تعددية طبيعة نشاطات هذه اللعبة. )/( ففي هذه اللعبة تعليم وتنشئة وتدريب وتمكين، وفيها عمل ومواجهة وتنافس على تقديم المخرجات المتميزة على أرض الواقع، وفيها أيضا أداء تستمر اختباراته دون انقطاع، وقد تتقلب نتائجه، لكنها تبنى من خالل ذلك خبرات مفيدة نحو استمرار التميز في المستقبل. ولعلنا ننظر إلى دروس لعبة كرة القدم من خالل متطلبات اللعبة، ألن في هذه المتطلبات ما يماثل المتطلبات التي يحتاج إليها التفوق في كثير من المجاالت األخرى، خصوصا مجاالت المنافسة والتفوق في األداء التي تشهدها المجاالت التنموية، ومجاالت تمكينها في هذا العصر. وتجدر اإلشارة إلى أن المتطلبات التي سنطرحها في التالي، ليست متطلبات منفصلة في أدوارها، بل هي متطلبات تكاملية تشد أزر بعضها بعضا. لعل المتطلب األول في مجال لعبة كرة القدم، ككثير من المجاالت األخرى، هو تمويل الفريق المستهدف، المطلوب منه القدرة على المنافسة والتفوق. والتمويل هنا ليس نفقات استهالكية تذهب وال تعود، بل هو "استثمار" يتمتع بعائد يتنامى مع تنامي إمكانات الفريق، وشهرته، وتفوقه في األداء. ويأتي المتطلب الثاني، بعد ذلك، متطلعا إلى حسن "اإلدارة". ولإلدارة هنا جانبان، جانب اإلدارة العامة لمختلف شؤون الفريق، ثم جانب اإلدارة الفنية التخصصية للفريق. وتأتي أهمية اإلدارة العامة، من خالل بيئة العمل التي تبنيها على محاور ثالثة تشمل محور استقطاب الالعبين والناشئة الواعدين، ثم محور تنظيم وتوجيه المهمات الداعمة للمتطلبات الفنية، إضافة إلى محور النشاطات والعالقات الخارجية، وإقامة المباريات وإدارتها، وجذب المشجعين إليها. وننتقل إلى جانب اإلدارة الفنية التي تتمثل في شخص المدرب الذي يعطى صالحيات خاصة في توجيه الفريق، ليكون في المقابل خاضعا للمساءلة عن أي تقصير. في هذا اإلطار، يبرز المتطلب الثالث ليركز على صفات "المدرب"، أي صفات "المدير الفني" للفريق. وهناك خمس صفات رئيسة يجب أن يتحلى بها. فعلى المستوى الشخصي، يجب أن يتحلى بشخصية راعية ومحببة، وصارمة في الوقت ذاته، ليكون بذلك مقنعا، وبصورة خاصة ألعضاء الفريق. وعلى المستوى المعرفي، يجب أن يتمتع بخبرات واسعة في مهارات اللعبة، وقادرا على بنائها وتفعيلها في العبيه. وعلى مستوى المتابعة، يجب أن يكون مطلعا على ما يجري بشأن اللعبة، مقيما لقدرات الفرق المنافسة وتطورها. وعلى مستوى التخطيط، يجب أن يكون قادرا على وضع خطة لكل مباراة تبعا للفريق المنافس. وعلى مستوى التنفيذ يجب أن تتمتع خططه بالمرونة الكافية، في إجراء التغييرات المناسبة عند الحاجة، وذلك عند التنفيذ على أرض الواقع. وبالطبع يحتاج المدرب إلى مساعدين مناسبين من حوله، من أجل تنفيذ المهمات المختلفة لدوره المنشود. ونأتي إلى المتطلب الرابع الذي يهتم بالموارد البشرية للفريق، أي "بأعضاء الفريق"، وهؤالء هم صانعو نجاحاته ومنجزاته، والعمل على إعدادهم اإلعداد المناسب الذي يفعل إمكاناتهم، ويضعهم على طريق التميز والنجاح. يشمل هذا المتطلب خمسة أبعاد رئيسة. يهتم أول هذه األبعاد بالعمل على اكتشاف الالعبين الواعدين، بما يشمل الناشئة من األطفال الذين لم يبلغوا العاشرة من العمر، حتى من أصبحوا من الالعبين أصحاب المهارات. ويركز البعد الثاني على التعلم والتدريب والتخصص في مواقع اللعب، فهذه المواقع بين الهجوم والدفاع تتطلب مهارات خاصة، تضاف إلى جانب المهارات المشتركة، وال شك أن مواهب الالعبين تختلف لتناسب هذا الموقع أو ذاك. يأتي البعد الثالث، بعد ذلك، حامال التوجه نحو تحقيق التميز. ويؤكد البعد الرابع ليس فقط على المحافظة على هذا التميز بل على تعزيزه بشكل متواصل أيضا ودون انقطاع، وهنا يبرز التفاعل األهم بين المدرب وأعضاء الفريق. ويتوجه البعد الخامس أخيرا نحو التخطيط للمباريات والتدريب عليها وخوضها، والسعي إلى التميز فيها، واكتساب الخبرة، وتحقيق النجاحات المأمولة. وتجدر اإلشارة هنا إلى نشاطات هذه األبعاد الخمسة يجب أن تكون مستمرة، تبدأ وال تنتهي، وتحافظ على الحماس، وروح التحدي، والطموح إلى التميز والنجاح. تعطي متطلبات النجاح والتميز في لعبة كرة القدم دروسا يمكن االستفادة منها في شتى مجاالت التنمية االقتصادية واالجتماعية، وكذلك مجاالت تمكين هذه التنمية. جميع هذه المجاالت يحتاج إلى تمويل يعطي استثمارا يقدم مخرجات نافعة ومنافسة، ويحتاج أيضا إلى إدارة عامة تؤمن بيئة عمل محفزة، وإلى إدارة متخصصة ومؤهلة قادرة على تمكين الكفاءات وتوجيهها، ثم إلى موارد بشرية متميزة وطموحة تستطيع مواجهة التنافس العالمي، وتحقيق النجاحات المنشودة. نقلا عن الاقتتصادية