كانت الطائف مدينة رائدة في الفن والطرب، مثلما هي رائدة في الثقافة والأدب والمسرح، وكذلك في الرياضة، وفي غيرها من مناحي الإبداع. * وكان صيف الطائف؛ يتميز بالحفلات الفنية، والطرب الشجي، الذي يحضره أبناء الطائف والمصطافون. وكانت بساتين المثناة؛ تزخر بالغناء في كل أمسية، وخاصة حفلات النساء. ومثلها جَبْرة والقيم والقديرة وغيرها. إلى جانب أكثر من 13 دارًا للسينما، سابقة بذلك أكبر المدن في المملكة. * كان هذا في السبعينيات والثمانينيات، وحتى منتصف التسعينيات من القرن الهجري الفارط، قبل أن تسطو (الصعوة)، فتصوع المجتمع، وتغتال الابتسامة على الشفاه..! إن الذين يسردون مثل هذه الذكريات الجميلة اليوم؛ لا يستطيعون إخفاء حزنهم على اختفاء مظاهر الفرح والسرور والبهجة من المجتمع الطائفي، الذي عُرف بالأنس، حتى أن الطائف تُسمى (الطائف المأنوس). * يستذكر كبار السن اليوم؛ مظاهر تميزت بها الطائف فيما مضى، حتى جاء النادي الأدبي، وجاءت جمعية الثقافة والفنون قبل ثمانية وأربعين عامًا؛ فرعيا هذه المناشط، وأحس روادها؛ أنهم مقدرون من جهات ترعاهم وتأخذ بأيديهم، إلى أن بُعث سوق عكاظ من مرقده قبل خمسة عشر عامًا، فأضاف الكثير من التوهج على الطائف إنسانًا ومكانًا وزمانًا، خاصة وهي مصيف ومتربع، وما يدعم هذه الخاصية؛ هو تميزها الفني والأدبي والمسرحي، إلى جانب طيب هوائها، وتنوّع منتوجاتها الزراعية. لكن بعد أن توقف سوق عكاظ لأربع سنوات متتالية، وشعر أهل الفن والأدب أنهم خارج تلك العباءة الراعية؛ ماذا بقي للطائف إذن..؟ * أقول بأن الطائف بما لها من إرث عظيم، وسبق كبير في هذه الميادين الفنية والأدبية والمسرحية، يمكن أن تعود لسابق عهدها الجميل، بأن تعتمد على نفسها، وتعيد سوق عكاظ، وتقيم مهرجاناتها الفنية، وفعالياتها الثقافية. إن روح التميز باقية في أبناء الطائف كافة، نتطرق هنا إلى الجانب الطربي والفني فقط في تاريخ الطائف. * ما هي صورة الفن والطرب الطائفي قديمًا... أوردت في كتابي: (الطائف في شذرات الغزاوي)؛ بعضًا مما أورده الشاعر الكبير المرحوم (أحمد الغزاوي)، متذكراً أعلام الفن في الطائفومكةالمكرمة وحتى جدة، الذين يلتقون عادة في الطائف كل صائفة. يقول الغزاوي: (القدامى من أهل الفن ابتداءً من عشرينيات القرن الرابع عشر الهجري من المكيين رحمهم الله: سراج عبدالغني، كردوس، الشريف هاشم بن هاشم، سعيد شبانه، إبراهيم شوشو، السيد هاشم، ناجي البصير، سالم البوحي،: (مجارير) مكةوالطائف، محمود سعد، صالح حلواني، (مجسات)، إبراهيم بندقجي، (مجسات)، عبدالهادي البنداري، (مجسات)، الجني - بفتح الجيم وتخفيف النون المكسورة بعدها ياء ساكنة، حسن جاوى: بفتح الواو بعدها ألف مقصورة، عبدالله ركن، السيد محمد دحلان، حسين شكوري، خطاب شاكر، عمر أربعين، حسن الحظ، خليل رمل، علي أبو زيد، محمد الأجبع، محمد علي سندي، محمد داغستاني، (موشحات). * ويسرد الغزاوي - رحمه الله- طبقة ثانية من هؤلاء النجوم الذين ارتبطوا بالطائف فنًا وطربًا- رحمهم الله أمواتًا وأحياءً- قال: سعيد شاولي، السيد سعيد أبو خشبة، محمود مؤمنة، الشريف محمد بن شاهين، محمد ريس، حسن لبني، أبو حميدي، حمزة قزاز، عباس عشي، - عبدالله بن عباس، - السيد عبدالرحمن دحلان، - محسن شلبي، محمد باجودة، حمزة مغربي، حسين داغستاني. - أحمد مختار، حسن بخش، - محمد طيب الجاوى، محمد علي أخضر، - عطية الدفيني، هنيدي العتيبي، - عبدالله مكي، - عبدالله توا. * وفي هذا السياق الإحصائي للغزاوي، يأتي ذكر مطربين مدينيين هما: علي عريض، والسيد حسين هاشم، وكذلك أربعة مطربين من جُدة هم: عرفة، وعمر باعشن، وحسن عبدالرحيم، وعبدالله باعشن. * وعندما يصل إلى الطائف، فهو يذكر المشاهير في ذلك الزمن، يتقدمهم الموسيقار الكبير طارق عبد الحكيم -رحمه الله. قال عنه الغزاوي: طارق عبدالحكيم (الأستاذ الكبير)، طائفي عظيم، ممتاز، متطور، في القديم والحديث. ثم يضيف: الطائف أنجبت فنانين وفنانات من أشهرهم: أمين بكره، وعبدالله رشاد، وابتسام لطفي، وعبدالله محمد، وعلي شيخ، وعبدالله مرشدي.. وآخرون. * ومن أجمل ما دون الغزاوي -رحمه الله - في هذه السردية قال: (وقد رأيت أن أسجل هذه الأسماء اللامعة وأدونها للتاريخ، ولم أراع في ذكرها الترتيب بالسن ولا بالتميز، أو التقديم، (فكم ترك الأول للآخر). وما أزال أرى من الحق والواجب على الفنانين المبرزين؛ الذين يغارون على خصائص فنهم؛ أن يحتفظوا بكل ما هو عميق الجذور في قسماته ونبراته، وتأثيراته المنسجمة مع خوالج النفوس، وأعماق القلوب، وأن يجافوا كل تقليد لا يتفق مع الأذواق العربية، وأن يحيوا ما اندثر من (الدانات اليمانية)، و(الموشحات الأندلسية)، و(المجسات الأصيلة الحجازية)، وأن يتخيروا ما ينشدونه من الأدب العربي العريق. غزلاً كان أو حماسة، وتضرعًا أو ابتهالًا). * وأنا أقول في ختام هذه الجزئية؛ التي توثّق لفنون الطائف الطربية بالذات: ما أحوج الطائف اليوم للعودة إلى سابق عهدها، بالفرق الطربية والفنية، والمجالس الأدبية والثقافية الخاصة، التي تعكس حالة المجتمع المحبة للأدب والفن والطرب والمسرح، دون انتظار لجهة راعية، أو مؤسسات داعمة. إن ما تميزت به الطائف في سابق عهدها؛ من ريادة فنية وأدبية؛ سوف يظل باقيًا، أقيم سوق عكاظ أم لم يُقم. روح التميز تتقد على الدوام. فها هي فرق الفنون الشعبية؛ تتعدد وتتنقل بين أرجاء الطائف، تقدم الفن الراقي الذي اشتهرت به الطائف حواضرها وبواديها بمبادرات شخصية، وتنظيم بديع. ثم في الختام.. ليعذرني كل من يقرأ لي هذا المقال؛ على حماسي للطائف، ذلك أني: (طائفي الهوى والهواء). نقلا عن الجزيرة