يحل فخامة الرئيس الأمريكي جو بايدن ضيفاً مرحباً به والوفد المرافق له على أرض المملكة العربية السعودية في الخامس عشر والسادس عشر من شهر يوليو الجاري، في زيارة غاية في الأهمية وتتضح هذه الأهمية جلية في كم وحجم التغطيات والتحليلات الإعلامية التي سبقتها والتي قطعاً سوف تليها. جدول الزيارة يشمل محورين أساسيين الأول يتعلق بالمحادثات الثنائة بين البلدين الحليفين الصديقين والثاني محادثات بين الجانب الأمريكي وبين كل من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية إضافة لكل من مصر، العراق والأردن. الصورة واضحة وقبل بدء الزيارة بأن هناك حُراكاً سياسياً مكثفاً وغير مسبوق للمحادثات المرتقبة بتغطيات إعلامية واهتمامات سياسية غير مسبوقة هي الأخرى لدلالاتها ونتائجها المرتقبة. المحادثات السعودية الأمريكية المرتقبة من المتوقع أن تبحث عدداً من القضايا الهامة لكلا البلدين الحليفين الصديقين وتحديداً علاقات البلدين الثنائية، أسعار الطاقة، الملف النووي الإيراني وبرنامجها للصواريخ البالستية، الحرب في اليمن، أمن منطقة الخليج العربي والإقليم والقضية الفلسطينية. لعل من نافلة القول إن العلاقات الثنائية بين البلدين الحليفين الصديقين شابتها توترات غير مسبوقة مع وصول الإدارة الأمريكية الحالية للبيت الأبيض وسبق ذلك وخلال الحملات الانتخابية الرئاسية الأمريكية أدلى الرئيس الأمريكي خلال إحدى جولاته الانتخابية بتصريحات عن المملكة لم تكن موفقة وهو أمر اعتادت عليه المملكة من قبل الكثير من المرشحين الأمريكيين خلال جولاتهم الانتخابية وقد شرح الأسباب الكامنة سمو الأمير بندر بن سلطان سفير المملكة السابق لدى واشنطن في مقابلة تلفزيونية سابقة وعلل ذلك بأهمية المملكة وبأن المرشحين الأمريكيين دأبوا على الزج باسم المملكة في برامجهم الانتخابية لما تمثله من أهمية للكثير من جماعات الضغط الأمريكية المعروفة باللوبيات لثقلها السياسي والاقتصادي ولكن ما حدث في انتخابات 2020 كان مغايراً واستثنائياً فقد استمر الفتور في العلاقات ولم يتلاشَ بعد ذلك كما هي العادة ولعل مرد ذلك يعود لعدد من الأسباب يأتي في مقدمتها انشغال العالم بجائحة كورونا وما ترتب عليها من أزمات لاحقة ومن ذلك الضرر الذي لحق بأسواق الطاقة العالمية. أسعار الطاقة كانت أحد أهم أسباب التوتر بين الحليفين فالمملكة وكما لا يخفي على الحليف الأمريكي وكل مستهلكي النفط في العالم قدمت ولعقود تنازلات تكلفها المليارات من الدولارات سنوياً وذلك في سعيها الدؤوب للحفاظ على سعر عادل لبرميل النفط انطلاقاً من مسؤولياتها الدولية والإنسانية بكونها أحد أهم مصدري النفط عصب حياة الاقتصاد العالمي. قدرت الغالبية من الإدارات الأمريكية السابقة دور المملكة الحيوي والمحوري في دفع عجلة الاقتصاد العالمي ومع الحاجة الماسة لمواجهة تداعيات الجائحة الكونية وجدت المملكة نفسها مُلزمة باتفاق أوبك بلس الذي تم 2016 بين دول من منظمة أوبك ودول من خارجها لخفض الإنتاج لتحسين الأسعار ومع تفهم المملكة لطلبات زيادة الإنتاج لخفض الأسعار لكن التزاماتها الدولية التي زادتها ضراوة تداعيات الجائحة لم تجد أذناً صاغية لتفهمها لدى العديد من الدول والتي كان بمقدورها التعاون في هذا المجال ولو لفترة مؤقتة بتحمل جانب من المسؤولية بتخفيض الضرائب التي تفرضها على أسعار النفط والتي تسببت بزيادة سعر جالون البنزين لما يقارب 10 دولارات في مدينة لوس أنجلس الأمريكية. الملف النووي الإيراني وبرنامجها للصواريخ البالستية شأن يحتاج لعناية خاصة ووضع حد جذري لتهديداته لأمن المنطقة وكلا الملفين يجب وضعهما في عين الاعتبار وبأن حل أحدهما دون الآخر هو قصور واضح مخل بأمن واستقرار العالم وهو يرى النبرة العدائية المتصاعدة بين الفينة والأخرى من طهران واستفزازاتها المستمرة لدول المنطقة ودعمها للجماعات المصنفة إرهابية من قبل غالبية دول العالم. الحرب في اليمن هي مثال آخر أمام أعين العالم لما تمثله التدخلات الإيرانية في تقويض الأمن والسلم الدوليين والحقائق تؤكد بأنه ليس هناك دولة في العالم دعمت اليمن كما تفعل المملكة وهي تقدم لليمن كافة أنواع المساعدات ولعقود من خلال البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن ومع نشوب الحرب وفي سابقة تاريخية والمتمثل بأن تقوم دولة بدعم مواطني الطرف الذي يشتبك معها في حرب وهو ما قامت به المملكة في إطلاق مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية لدعم المتضررين من الحرب من الأشقاء اليمنيين المغلوبين على أمرهم والذين تسلطت عليهم عصابة الحوثي التي لا تعترف بأبجديات العمل السياسي القائم على التوافق أو أن تضع معاناة الأشقاء في اليمن على جدول اهتماماتهم، العصابة الحوثية همها هو تنفيذ ما يصدر لهم من تعليمات لحرب بالوكالة موجهة من أسيادهم في طهران. كل هذه الجرائم التي قامت وتقوم بها عصابة الحوثي الانقلابية لم يمنع المملكة من الإبقاء على الأشقاء من أهل اليمن العاملين في المملكة والذين يقدر عددهم بمئات الآلاف إيماناً منها بأن الشعب اليمني الشقيق لا ناقة له ولا جمل في الحرب التي ترفض عصابة الحوثي إيقافها مع كل الجهود الدولية التي سعت لذلك وهو أمر ليس بمستغرب فالعصابات كعصابة الحوثي لا تعيش إلا على الفوضى والأزمات والحلول السلمية تنهي دورها الإجرامي والذي يستهدف فقط أراضي المملكة ومدنها بل وصل إلى تهديد طرق الملاحة الدولية الحاملة للطاقة للعالم في البحر الأحمر وكذلك بتهديد خطير للغاية ومازال قائماً لبيئة البحر الأحمر بسبب ناقلة البترول صافر الراسية شمال ميناء الحديدة. أمن منطقة الخليج العربي والإقليم المتمثل في الشرق الأوسط وارتباطهما الوثيق بالقضية الفلسطينية هو الآخر موضوع شائك وحساس ويحتاج لمواقف واضحة من الجانب الأمريكي خصوصاً مع الهجمات الإرهابية التي استهدفت عدداً من أهم منابع الطاقة للعالم والتي من الممكن لو كتب لها النجاح لا سمح الله لرفعت أسعار برميل البترول إلى مستويات خيالية لن يكون في مقدور الاقتصاد العالمي تحمل تبعاتها الكارثية وهو الاقتصاد الذي مازال يحاول جاهداً الخروج من أزمته التي عقبت الجائحة الكونية. القضية الفلسطينية وعدم حلها ستكون دوماً مصدراً لعدم الاستقرار لمنطقة الشرق الأوسط قدم فيها الفلسطينيون والعرب كافة الضمانات للجانب الإسرائيلي بأهمية وحتمية إبرام السلام بين كافة الأطراف وهو الأمر الذي بدأ جدياً منذ أكثر منذ ثلاثين سنة بمؤتمر مدريد وتفاهمات أوسلو ومبادرة حل الدولتين المقدمة من الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن واتفاقات السلام الثنائية التي أبرمتها العديد من الدول العربية مع إسرائيل وفوق كل هذه تأتي مبادرة السلام العربية التي قدمتها المملكة وتم الاتفاق عليها من قبل الدول العربية في قمة بيروت العربية عام 2003 والتي علق عليها في إحدى المناسبات الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما بأنه لا يتفهم عدم قبول الجانب الإسرائيلي لها برغم أنها وضعت كافة الضمانات للجانب الإسرائيلي بالتطبيع التام والشامل مع الدول العربية. زيارة فخامة الرئيس بادين للمملكة فرصة سوف يغتنمها الحليفان في إعادة بناء الثقة بينهما وهو أمر لن يكون صعباً وفي المتناول بصدق النوايا لعلاقات أثبتت مقدرتها دوماً على تجاوز كافة التوترات مهما صعبت فهي علاقات ممتدة لعقود وضع أسُسها زعيمان تاريخيان الملك الإمام عبدالعزيز بن عبدالرحمن رحمه الله والرئيس فرانكلين ديلانو روزفلت. نقلا عن الجزيرة