كتبه الأستاذ/ حسين بن محمد بن صَقران الشَهري إشراف الأستاذ الدكتور/ صالح أبو عرّاد الشَهري. الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على النبي المصطفى، أما بعد: فموضوع هذا البحث توضيح الدواعي والأسباب التي دفعتني لاختيار (الهمداني) عمدةً في نسب الحَجر بن الهِنو في بحثي الموسوم [كلُ حَجري شَهري وكلُ شَهري حَجري]. ورغم أنه سبق أن ذكرتُ بعض الأسباب لذلك؛ إلاّ أني رأيت أن أُفرد لها هذا البحث لبيانها وإجمالها، وتتمثل في الآتي: 1- معرفة الهمداني التامة بنسب حمير وكهلان ابني سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان وفق ما جاء في السجل اليماني وهو (شجرة نسب قحطان). 2- قربه للحَجر بن الهِنو زماناً ومكاناً ونسباً. 3- مروره المتكرر بالسراة ذاهباً وراجعاً من اليمن إلى مكة والعكس، وكانت طريقه السراة ومنها سراة الحَجر. 4- اختلاطه بأهل السراة ومنهم الحَجر في زمنٍ كانت الناس فيه لا تزال قريبة العهد بأنسابها. 5- ذكره للحَجر بن الهِنو ولسراتها وقبائلها أصلاً وفرعاً وغورها وبواديها وحُكامها وثمارها وأنعامها. 6- إرشاده المتكرر إلى أن جُل قبائل الحَجر يعود نسبها إلى ابني شَهر (مالك وربيعة). 7- التطابق الشديد لكلام الهمداني مع كلٍ من: (النقوش الأثرية – ما ورد في كتاب التعليقات والنوادر لأبي علي الهجري). 8- نقلُهُ عن الهجري نزيل مكة وأخذه منه. 9- بقاء القرى والوديان والبلدان والقبائل التي ذكرها الهمداني عامرةً صالحةً إلى وقتنا الحاضر، وهنا يأتي تساؤلٌ يطرح نفسه قائلاً: لماذا صدّقناه فيها ولم نصدقه في تأصيل نسب الحَجر؟ 10- أن بعض المخالفين يأخذون من الهمداني ما يحبون فيما يخُص أنسابهم كبعض الذين ينتسبون لبني عامر (العوامر) وغيرهم، وأيم الله إن الهمداني قد فصّل في أنسابهم وقراهم وحكامهم، فكان جزاءه النكران منهم، نعوذ بالله من الجهل والهوى. وليس هذا فحسب؛ فهذه بعض إشكالات القوم المعتمدين على ابن الكلبي في نسب الحَجر: 1- قالوا: إن ابن الكلبي أقدم من الهمداني عمراً وعلماً. قلنا: صحيح أنه الأقدم في العمر والمدة ولكن الهمداني لم ينقل من الكلبي في نسب الحَجر شيئاً، بيد أنه نقل عنه في أمور أخرى. وأما علم الكلبي بالنسب فله السبق إلا في نسب الحَجر فهو قليل البضاعة فيه، والعجيب من المعتمدين على ابن الكلبي عدم قدرتهم على إخراج شجرة للحَجر فقط، ولكنهم يقحمون الهِنو وولده كافة في هذه الشجرة تعظيماً وتكثيراً لقولهم. 2- قالوا: اتفق الكلبي والهمداني في بعض نسب الحَجر مثل عامر بن الحَجر. قلنا: اتفقوا إجمالاً كعادة العرب في الأخذ بالأشهر (أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب)؛ فنسَبَ - صلى الله عليه وسلم - نفسه لجده وهو الأشهر ولم ينتسب لأبيه عبد الله. رغم أن الهمداني ذكر تارةً عامر بن الحَجر وتارةً عامر من الحَجر، هذا إجمالاً ولكن فصّل في موضع آخر في كتابه الصِفة، وهو ما غفل عنه كثير من الناس بقوله: [وتُنومة والأشجان ونحيان ثم الجهوة قرى لربيعة من الحَجر وعاسرة والعرق وأيد وحضر ووراءه قرى لبني ربيعة من أقصى الحَجر أيضاً]. الملاحظُ أنه ذكر قرى بني عامر وهي الأشجان ونحيان والحرا (الظهارة) وقال: إنها قرى لربيعة وأيضاً قال: تُنومة والجهوة (النماص) وأيد وحضر وعاسرة كلها قرى لربيعة. وأخبرنا أن ربيعة من الحَجر أو ابن للحَجر إجمالاً كما هو الأشهر. ولكنه - لله دره - فصّل في نسب حاكم الجهوة جابر بن الضحاك الربعي بقوله: [من نصر بن ربيعة بن الحَجر من بني أبي أثلة رؤوس بني نصر بن ربيعة بن شَهر بن الحَجر]، وهنا أصّل وفصّل وثبّت من غير ريب أن ربيعة ابنٌ لشَهر، ولهذا تبين أن عامراً ابنٌ لربيعة بن شَهر، فهل بعد هذا التوضيح قولٌ يُقال؟ ثم أين الاتفاق الذي ذكروه؟ 3- ذكر الهمداني مالك بن شَهر وولده وبلادهم في خمسة مواضع بقوله: مالك بن شَهر. وهو خلاف ما ذكره الكلبي حيث جعل مالكاً ابنٌ لكعب. وخُلاصة القول في هذا الشأن يتضح بكل جلاء أن: [مالك وربيعة ابني شَهر بن الحَجر بن الهِنو بن الأزد] كما ألمحتُ في رقم (6) من الأسباب السابق ذكرها. 4- قالوا: إن الهمداني لم يذكر الأواس، قلنا: قد يكون قبيلُ الأواس في زمن الهمداني قبيلٌ ضعيفٌ، ودخل بنوه في قبائل الحَجر وذابوا فيها فلم يجد لهم عُصبةً أو منزلاً. ما عدا جبيهة التي ذكرها في ساقين من اصدار تُنومة. وأرشدنا أبو علي الهجري أن جبيهة من الأواس. وابن الكلبي جعل الأواس أصلٌ من الأصول الثلاثة عنده [عامر، الأواس، كعب] وهذا محال. وابن الكلبي جعل جبيهة ابناً لكعب في قولٍ غريبٍ له. قال أبو علي الهجري: إن الأواس من الحَجر وليس ابناً للحَجر، والهجري نقل مباشرةً من الحَجريين أخبارهم وأشعارهم وأنسابهم ونقل عنه الهمداني، كما أشرت في رقم 8 من الأسباب. 5- قول الكلبي: إن مالكاً ابنٌ لكعب فجعل الأب ابناً، وهذه قاصمة الظهر وعوارٌ واضحٌ وفاضح؛ فقد خالفته الخطط المصرية وهي مكتوبة على ما نقله الحَجريون المصريون من أنسابهم الذين اختطوا الخطط في مصر مثل: [خطة الجيزة، وهي لبني كعب بن مالك]. وهنا إثبات أن كعباً ابنٌ لمالك، وهذا دليل على بطلان كلام ابن الكلبي، وبخاصةٍ أن من فضل الله تعالى أن تلك الخطط مسجلةٌ في دواوين دولة بني أمية وبني العباس والدول المتعاقبة، فهل يُعقل أن تُسجل بالخطأ قروناً عديدة؟ 6- اصطدم ابن الكلبي وحزبه بالحجج العِظام المتمثلة في: (السجل، وأبو علي الهجري، والهمداني، والتاريخ المصري، والنقوش الأثرية)، فأين المفر؟ 7- اعتماد بعض المخالفين تحقيق الأكوع لكتاب (صفة جزيرة العرب)، وإهمالهم لتحقيق (البليهد)، ولم يعلموا - أو أنهم علموا وتغافلوا أن الأكوع قد حذف من كتاب الصفة بعض الأماكن مثل: (صبح وبهوان)، وحذف نسباً عظيماً مؤصلاً نسب جابر بن الضحاك وهو (من بني أبي أثلة رؤوس بني نصر بن ربيعة بن شَهر بن الحَجر) ولكن - ولله الحمد- أن الأكوع استدرك ذلك في كتابه: (اليمن الخضراء مهد الحضارة)، وأتى بكلام الهمداني في الصفة موافقاً لتحقيق البليهد والمخطوطات القديمة لكتاب الصفة. 8- ذكرت النقوش (بني عمرو)، ولم يذكرهم الهمداني صراحةً، غير أنه ذكر بعض بلادهم مثل: (أيد، حضر، وعاسرة). وقال إنها من قرى ربيعة، وأصّل وفصّل -غفر الله له- قائلاً: إن ربيعة ابنٌ لشَهر بن الحَجر في نسب جابر بن الضحاك حاكم الجهوة. وهنا إثباتٌ لا شك فيه ولا هوى ولا عصبية [أن بني عمرو من ربيعة بن شَهر]. فأين تذهبون أيها المخالفون؟ = وخلاصة ما أريدُ توضيحه للذين لم يتقنوا قراءة كتاب: (صفة جزيرة العرب) جيداً، ولم يدركوا ما فيه من كنزٍ عظيم، يتمثل في الآتي: 1- أعيدوا القراءة لهذا الكتاب بتمعُن وتؤدة مرةً تلو الأخرى. ومن لم يستطع فأنا موجود للمساعدة والدلالة والإيضاح - إن شاء الله -. 2- الإمام الهمداني أبو محمد لسان اليمن -أحسن الله إليه- حجةٌ ومزكّى عند أهل العلم والفضل، ومذمومٌ عند الزيود وضحاياه الذين لم يذكرهم وهمّشهم، وعند أيتام ابن الكلبي. أما ابن الكلبي [فعلى تقدُمِه في النسب ما عدا نسب الحَجر] إلاّ أنه مذموم السيرة، رافضي المعتقد. 3- لمن يسأل عن السجل اليماني ويقول فيه بغير علم، أقول: إنه شجرة نسب قحطان من آلاف السنين، فلهذا السجل ورثةٌ وحفظةٌ ذكر بعضهم الهمداني في (كتابه الإكليل)، ونقل عنهم النسب الصريح الصحيح وهو: (شَهر بن الحَجر بن الهِنو) ابن الأزد. 4- وبعون الله وسداد منه قمتُ بتفنيد الأصول الثلاثة عند ابن الكلبي (عامر، الأواس، كعب) في رقم 2 و3 و4 و5 من الإشكالات. == لهذه الأسباب والإشكالات مجتمعةً، استبعدتُ كلام ابن الكلبي وكلام من اختصر جمهرته مثل ياقوت الحموي، وتالله لقد عبثوا بنسب الحَجر - كعبث ولي السوء في مال اليتيم -. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. المصادر والمراجع: 1- بحثي [كلٌ حَجري شَهري وكلٌ شَهري حَجري]. 5- الصحيحان (البخاري ومسلم). * كتبه / أبو هيا وانتهى منه عصر الأربعاء 9/11/1443ه. 2- كتابا الهمداني: (الإكليل، وصفة جزيرة العرب). 6- كتاب (اليمن الخضراء مهد الحضارة) للأكوع. 3- كتاب (التعليقات والنوادر) لأبي علي الهجري. 7- كتاب (الانتصار لواسطة عقد الأمصار) لابن دقماق. *إشراف سعادة الأستاذ الدكتور/ صالح أبو عرّاد الشَهري. 4- كتاب (سير أعلام النبلاء) للذهبي. 8- كتاب (المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والأثار) للمقريزي. 9- النقوش الأثرية.