يحكى أن فلاحاً يدعى أبو (غرم الله)، كان يتناول العشاء مع زوجته وأولاده، ولكن تيس الغنم أفلت من رباطه، وأخذ يركض في أنحاء المنزل، فطلب الرجل من ابنه غرم الله أن يقوم ويربط التيس، فقام الابن ليربطه، لكنه ومن دون قصد تعثّر في المائدة وكب الطعام، ثم مال على الأواني الفخارية وكسرها، ثم أخذ يطارد التيس في أنحاء المنزل فأوقع جرار السمن والزيت وحطمها، حينها نظر والده الفلاح بحزن إلى أولاده وصرخ فيهم غاضباً: قوموا.. قوموا اربطوا (غرم الله) واتركوا التيس!! يا كثر (غرم الله) في زمننا، تجده في كل مناحي الحياة، ظاهره الثبات الوعي والإصلاح، وباطنه أشبه ما يكون بسلة المهملات الممتلئة عن آخرها بالورق المجعد الذي شوهته الشخابيط الغريبة، لكنه مع هذا كله يشغل حيزاً مهماً في حياتنا ويصر على تصدر مشهدنا وتبني أهدافنا!! أقرب مثال على ذلك: بعض الإعلاميين والمشاهير المهتمين بالشأن الرياضي، الذين كنا ننتظر منهم تهدئة المدرج وتوعية الجماهير المتعصبة، قبل أن نتفاجأ برؤيتهم وهم يتعثرون بطاولة البرامج التلفزيونية سباً وقدحاً حتى (كبوا العشاء) وأذكوا التعصب وخاضوا بذمم اللجان والحكام والمعلقين أيضاً، لنصل معهم لقناعة راسخة ننتظر أمامها من الاتحاد السعودي لكرة القدم أن يصرخ بمسؤوليه غاضباً: قوموا.. قوموا اربطوا (الإعلاميين) واتركوا الجماهير!! أقرب مثال على ذلك؛ هناك أشخاص يتم اللجوء إليهم من أجل حل الخلافات الزوجية، والذين ينتظر منهم بما لهم من حكمة وخبرة في الحياة أن يضعوا حداً لنشوز الزوجة أو إهمال الزوج من أجل دوام العشرة، قبل أن نتفاجأ برؤيتهم وهم يتعثرون بطاولة إصلاح ذات البين عناداً ومكابرة حتى فضحوا أسرارهم وأهدروا كرامتهم، للدرجة التي يصل فيها أطفالهم لمرحلة النضج من ما رأوا فيصرخوا بمن لديه الحل والربط؛ قوموا.. قوموا اربطوا (المخببين) واتركوا الزوجين!! أقرب مثال على ذلك؛ بعض الإداريين السعوديين بالقطاع الخاص، والذين ظننا بأنهم سيعوضون شبابنا تلك الأيام الصعبة التي قضوها مع رؤسائهم الأجانب، ظننا بأنهم سيوفرون الاستقرار والأمان الوظيفي لأبنائنا، قبل أن نتفاجأ بهم وهم يتعثرون بطاولة سعودة وتوطين الوظائف ويتفنون في تطفيشهم وفصلهم بالمادة 74 و75 و77 من نظام العمل، للدرجة التي وصل فيها الشاب السعودي الطموح مرحلة الإحباط ليصرخ بالموارد البشرية غاضباً؛ قوموا.. قوموا اربطوا (المدير السعودي) واتركوا (المشرف الأجنبي)!! الخلاصة؛ إننا يجب أن نتعامل مع المفاهيم، مع المبادئ والقيم، وألا نمنح كل ثقتنا لشخص لمجرد أنه أكبر أو أخبر أو أقرب، بل يجب علينا أن نحكم الرقابة على مثل هؤلاء أكثر، وأن لا نتردد بالاعتراف بخطأنا وإعفاء كل من خذلنا، كل من تأملنا فيه إصلاح أوضاعنا لكنه بدلاً من ذلك كسر طموحنا وأمانينا، علينا ألا نتردد أبداً بالصراخ في بقية الأحلام الممكنة غضباً. قوموا.. قوموا اربطوا (غرم الله) واتركوا التيس!! نقلا عن المدينة