عندما تتذكر الناس الذين تركوا أثرا طيبا لديك منذ صغرك وإلى اليوم.. ماذا يجمعهم؟ هل الذين تتذكرهم بودّ وارتياح اشتركوا أنهم عابسون غاضبون؟ هل تعودوا على انتقادك والسخرية منك؟ أم ماذا؟ أضمن أن أكثر خاصية تجمعهم هي لطفهم معك، وتبسمهم في وجهك، وترحيبهم بك، وحسن خلقهم عندك. لكن الغريب أن مجتمعاتنا كأنها تحث على الصرامة وتقطيب الحاجبين والجفاف، وتُجرّم اللطف والابتسامة الدائمة، رأيت هذا كثيرا، فمن يكثر من التبسم ويحسن خلقه مع الجميع قد يوصف بضعف الشخصية، ومن يتعامل بغلظة قد يوصف أنه حازم. ربما هناك من هو لطيف وضعيف فعلا، لكن ربط اللطف بالضعف دائما خطأ فادح، كان ابن عمر - رضي الله عنهما - يعتق من رأى استقامته وصلاحه، حتى صار بعضهم يتظاهر بالتقوى لكي يتحرر، فلما قيل له ذلك لم يغير رأيه، بل استمر على منهجه وقال: من خدعنا لله انخدعنا له. لو أن أحدنا فعل مثله اليوم لوصفوه بالسذاجة وضعف الشخصية، وهم مخطئون طبعا. رأيت مقطعا قام فيه أعضاء منظمة بتكريم رئيس الشركة الذي سيتركها، فوقفوا صفا طويلا لا ينتهي إلا عند سيارته، يثنون عليه ويصفقون له، لا تملك إلا أن تتأثر سعادة بهذا المنظر، غبطة له وإعجابا به وتأملا في الأثر الطيب العميق الذي تركه في جموعٍ من الموظفين حتى خرجت مشاعرهم الصافية المحبة هكذا، أحد المديرين حَكَم إدارته بالغلظة ثم ذهب، وإذا سألتَ عنه الآن لا تجد إلا البغض له، ربما نفع شركته، ولكنه خسر حب واحترام الناس. من الرجال من يعتقد أن عليه أن يكون قاسيا لتحترمه زوجته، بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يضرب أو يصرخ أو يشتم زوجة له قط، ومع ذلك هو أقوى شخصية من هؤلاء الجاهلين الذين ربطوا العنف بالاحترام، وهو أقوى منهم قلبا وجسدا وشجاعة كما تجد في سيرته ووصفه. الاحترام يأتي من الشخصية لا من الصراخ والضرب، إذا كنت لطيفا فهنيئا لك، ولا تبتئس بما يقولون، وسيكون الباقي فعلا هو أثرك الطيب.