القضايا التي تهم المجتمع أفرادا وجماعات ليست واحدة، بل هي قضايا كثيرة وقد يكون لكل شخص همومه التي تخصه دون غيره، لكن مع االختالف والتنوع هناك ما يجمع الهموم ويوحد المشاعر ويجمع كلمة أكثر الناس على قضية مشتركة لها طبيعة العموم. ومن هذه الهموم المشتركة التعليم وما يتعلق به من قريب وبعيد، والصحة وما يتصل بخدماتها ومن يحتاج رعاية صحية من الناس وهم كثر، والسكن وما أكثر من هذا همه في المملكة اليوم وغير ذلك، لكن هذه المقالة ستركز على واحدة من قضايا المجتمع المقلقة وهي جديدة إلى حد ما على مجتمعنا، تلك هي الوظيفة التي يبحث عنها الشباب المقبلون على الحياة، والتي تتيح لهم فرص العمل الذي يحتاج سواعد الشباب وقدراتهم، وبالمقابل تؤمن لهم مستقبال معقوال للعيش والحياة المستقرة، وتمكنهم من خدمة وطنهم كما كانوا يتطلعون لذلك. والملاحظ في السنوات الأخيرة الشح الكبير في وجود العمل المناسب والوظيفة الممكنة آلالف الخريجين من الجامعات الوطنية في الداخل وآالف العائدين من الأبتعاث من الخارج، هؤلاء أكثرهم لم يجد عمال مناسبا بعد تخرجه أو بعد عودته من االبتعاث، وأصبحوا عبئا على أهلهم وعلى المجتمع الذي عادوا إليه وهم يحملون آمالا عريضة صاحبتهم في كل مراحل دراستهم وخطواتهم، هؤالء يهموننا جميعا ونتعاطف معهم، وال شك أن أولى مسؤوليات المخططين للمستقبل وللشباب والشابات هي حل مشكلة البطالة للمؤهلين والخريجين الجامعيين الذين وجدوا أنفسهم في طريق غير آمن لمستقبلهم حتى مع تأهلهم علميا. وإذا كان ثمة مناقشة ممكنة فهي مناقشة وضع الشركات الحكومية وشركات القطاع الخاص التي أصبحت هي الجهة المسؤولة عن التوظيف بما أصبح يسمى العقود غير الثابتة وغير المحددة والتوظيف عليها بعقد عمل، هذه السياسة الجديدة في التوظيف لها جوانب كثيرة منها اإليجابي ومنها السلبي، والجانب اإليجابي فيها هو أن تكون العالقة بين الموظف وصاحب العمل -سواء كان من القطاع الخاص أو القطاع العام- عالقة مرنة تعفي الموظف ورب العمل من تعقيدات الروتين ومتطلباته، وال تلزم أيا من الطرفين بالروتين والكادر البطيء في الترقيات، وتتيح إبراز الكفاءات وتطورها في مدد قصيرة غير ما كان سائدا في الماضي، والمتوقع أن يكون هذا األمر فرصة إلبراز المواهب الجادة واستقطابها واالستفادة منها، ومقابل ذلك تقدير جهودها وإعطاؤها ما تستحق من الحوافز. ولكن مع الأسف أن النوايا الحسنة ال تطبق كما يراد لها، فقد أصبحت العقود في الشركات ومؤسسات القطاع الخاص والعام أيضا غير مستقرة وال تقدم األمن الكافي لمن يصدف أن يتعاقد معها، حيث يتعرض أهل العقود والعاملون عليها من الموظفين للتسريح العشوائي مما يسبب ضررا كبيرا عليهم، ال سيما أولئك المبتدئون بالعمل وحديثو التجربة والخبرة دون استمرار في العمل. ويكفي أن ترسل الجهة المتعاقدة إنذارا بإنهاء الخدمة ليكون الموظف في مهب الريح وبال حق أو اعتراض، وهذا ينعكس سلبا على أداء الموظف حتى وهو على رأس العمل، ألنه ال يدري ما الذي يحدث له بعد انتهاء عقده وعلى مستقبله، وقد يكون حتى اختيار من يبقى ومن يذهب ومن تجدد عقودهم ومن تلغى غير مؤسسي وتتدخل فيه األهواء الشخصية والعالقات االجتماعية التي ال يخلو منها مجتمعنا على كل حال. الخالصة أن العمل حق للجميع، وتهيئة أسبابه مسؤولية الدولة والقطاع الخاص والعام، وليس من المحكمة وال من المصلحة العامة التخلي عن الشباب في أول الطريق، فذلك يحدث ضررا كبيرا على الجميع نقلا عن صحيفةمكة