تواجه الطبيعة خطر التصحر وانكماش الغطاء النباتي في األرض وقلة األمطار وارتفاع درجة الحرارة، ويفزع الناس والدول وأنصار البيئة وحماة الطبيعة لمواجهة خطر التصحر النباتي ويقيمون المؤتمرات لمعالجة ظاهرة االنكشاف الذي يحدثه على مقومات الطبيعة وازدهارها ومستقبل البشر وما سوف يالقونه من جفاف وفساد، ويقدرون خطورته وما يخلف من آثار يعدونها كارثية على الجميع فال ينجو من ضرر الطبيعة أحد قوي شأنه أو ضعف، فالضرر في رأيهم سيكون شامالا وعاما والجميع يعمل لتجنب خطر التصحر البيئي وهو أمر محمود على كل حال.لكن التصحر والجفاف ليس خاصا بالطبيعة والبيئة فهناك مجاالت كثيرة يصيبها الجفاف والتصحر واالنكشاف، وأخطرها تصحر القيم اإلنسانية واألخالقية التي لم يدرك الناس خطورة ما يصيبها من الضرر وما ينتج عنها من الكوارث التي يتضاعف أثرها أضعافا كثيرة عما يصيب الطبيعة والبيئة واألرض من الجفاف والتصلب واالنكشاف. التصحر عند البشر: أخطر حاالت التصحر تصحر مقومات الرحمة والشفقة والرفق عند بعض الناس حين يصيب هذه القيم تصحر وجفاف ومحل قاتل ال سيما في نفوس أرباب القوة والثراء والسلطان، فالفرد القوي القادر قد ترى في تصرفاته وقدرته تصحرا في رحمته وعاطفته والرفق الذي تجب معاملة الناس به، إذا كانوا دونه بالقوة والقدرة والمكانة االجتماعية مما يوقع الضرر الكبير على من تقع حاالتهم الضعيفة أمام قوته وجبروته فال يستطيعون دفعه بقوة مماثلة. والقوة تسبب ضربا من التصحر العاطفي نحو اآلخرين مهما كان نوع القوة، فإذا كانت قوة اإلنسان في المال جعل ثروته وكثرة ماله استعبادا واسترقاقا لحاجة الفقراء والمعوزين والعاملين معه في نماء ماله، فيزيد المال وتنمو الثروة على حساب عرق الضعفاء وجهودهم واستغالل حاجاتهم إلى ما في يده من المال ومتاع الدنيا التي يعمل الناس كافة في طلب متاعها، والعاملون في ثروات األثرياء يزيدون بجهدهم الثروة وال يحصلون على أجر مكافئ . وإذا كانت قوة الفرد في علمه وجاهه وما يقدسه الناس في شخصه تصحرت قيمة الرحمة والشفقة والرفق أمام جاهه وعلمه وتقزم وجود البشر عنده -إلا من رحم ربك وقليل ما هم- حتى ال يشعر بوجودهم وال يحس بأهميتهم. ذلك أن جبلة اإلنسان وطبعه قلما يصمدان أمام ضروب التقديس وعلو الجاه ثم يتحول من كونه فردا عاديا إلى ذات مبجلة مقدسة وقد يداخل نفسه الامارة بالسوء أنه إنسان محروس بعناية ومكانة ال يستحقها غيره، وال يحصل عليها سواه، فتتضخم مكانته ويكبر شأنه في نفسه ونفوس العامة الذين يتوجهون إليه بعواطفهم الدينية ويحكمونه في أموالهم وأنفسهم حتى يبقى المرء أسيرا لطاعة شيخه ورضاه، وال يكادون يخاطبونه إال بألقاب عليا يخلعونها عليه مثل صاحب الفضيلة والسماحة وآية اهلل وحجته. وكلما ارتفعت هذه األلقاب في نفوس الناس تصحرت في نفس صاحبها القيم العليا ونظر إلى أتباعه ومريديه بال اهتمام، فيصعر خده ويربأ بنفسه عمن قدسه، وشاهدها ما تسمعه من بعض هؤالء القوم المبجلين حين يصفون من سواهم بالعامة والجهلة ومن ليس عندهم علم وال معرفة. ومثلما يسبب المال والجاه تغوال وتصحرا لقيم الفضيلة عند البعض فإن السلطة حتى في أدنى درجاتها لها أثرها في تصحر العالقات اإلنسانية لدى أرباب السلطة مهما تواضعت سلطاتهم وقلت مسؤولياتهم، وهذا يدركه كل من تعامل مع بعض القيادات اإلدارية في درجات سلمها األدنى فضال عما هو أعلى من ذلك. والموفق للخير من هؤالء من عرف قدر نفسه وأنزلها منزلتها وجعل ما أصابه من مال أو علم أو سلطة في خدمة الناس وسعادتهم وذلك فضل اهلل يؤتيه من يشاء. نقلا عن صحيفة مكة