الآن وقد هدأت الزوبعة، شفينا قلوبنا ممن حاول النيل منا، وعرف من حولنا كيف نكون حين نغضب،وكان قد عرف من قبل ذلك كيف نكون حين نرضى، فإن علينا أن نركن إلى شيء من التأمل فيما قالواوفيما قلنا، تأملٌ يتجاوز ما ظنوه شتيمة لنا وما ظنناه دفاعا عن أنفسنا. فالذين نظروا إلينا نظرة استعلاء واعتبرونا مجرد بدوٍ مارسوا ضربا مقيتا من العنصرية والمصادرة، ولذلكعلينا أن نكون حذرين تماما لكي لا نسقط فيما سقطوا فيه من عنصرية بالاستعلاء عليهم ومصادرتهمباعتبارهم ليسوا بدوا مثلنا. إذا كنّا نؤمن أن للبداوة قيمها التي نعتز بتمثلنا لها وحفاظنا عليها فإن علينا أن ندرك أن للمدنية قيمهاكذلك والتي لا ينبغي لنا تجاهلها أو النظر إليها بنظرة استعلاء ودونية. إذا ما نظرنا فيمن تطاولوا علينا حين توهموا أنهم هم المتحضرون فسنكتشف أنهم لم يمتلكوا منالحضارة سوى قشورها، ولو كانوا متحضرين لما قالوا ما قالوه، وهذا يعني أن علينا ألا نجعل منموقفنا منهم عائقا لنا دون تمثل المفهوم الحقيقي للتحضّر والذي عجزوا هم عن تمثّله. علينا أن ندرك أننا شعب ثري بتنوع مكوناته وتعدد ثقافاته، وإذا كان من بيننا رجال يمثلون قيم البداوةويساهمون بإخلاص وتفان في بناء وطننا فإن من بيننا رجال عريقون في التحضّر ولا يقلون عن بدوناشهامة ونبلا وإخلاصًا للوطن. تعدد ثقافاتنا وتنوع فئاتنا الاجتماعية واختلاف مكوناتنا العرقية قيم تمثل ما يتمتع به وطننا من ثراءوتحضّر، ولذلك لا ينبغي أن نصدق من يعتقد أننا جميعا بدو، فنفرط بذلك في هذا التعدد والتنوع ونتجاهل ما أنجزناه من مشاريع حضرية ومدن تنافس أرقى المدن العالمية.