يقول الدكتور مصطفى محمود: «بعد أن ألّفت سبعين كتاباً من الكتب شديدة الرواج، قفز إلى ذهني ذات يوم تساؤل كبير: هل سأُقابل االله ب(شوية كلام)؟! هل هذه (المواعظ والحكم والفلسفة) هي كل رصيدي فقط؟!.. لابد من عمل حقيقي يمسّ حياة الناس فضلاً.. امنذ تلك اللحظة قرر الدكتور مصطفى محمود أن يعمل، فكان المسجد والمستشفى هما البداية لسلسلة أعمال كثيرة، نسأل االله أن تكون في ميزان حسناته. ومع إيماننا بعِظم أثر (الكتاب الجيد) في التغيير الإيجابي للمجتمعات، إلا أن الدكتور انتهج مبدأ أكثر أهمية يقول: «لا تعِظ بائِساً بل اقضِ حاجته».. وهو مبدأ أدى غيابه إلى غياب مُؤسف للقدوة العملية في حياتنا!. لا تعظ بما لا تستطيع تنفيذه.. ولا تنصح وأنت تجرح قلباً أو تكسر نفساً أو تُفشي سراً ستره االله، ولا تطالب بحق قد ضيعت أنت حدوده.. لا تعِظ بالكلمات بل عِظ بالعمل، فالجميع يُجيدون التّحدُّث وتناقل الحكمة مثلك، بل إن الكثيرين منهم أفضل منك حتى في التمثيل والتّملُّق.. اعمل واجعل أفعالك مواعظ حيّة؛ يمكن قياسها والإشارة إليها.. اجعلها قدوة صامتة للآخرين، ومرآة تعكس كل ما بداخلك دون أن تنبس ببنت شفة.. فالناس لم يعودوا بحاجة للكلام والنصائح، إنهم ينغمسون اليوم حتى قمة رؤوسهم في أنهار الحكمة التي تتدفَّق بلا توقف بفضل التكنولوجيا. إنهم لا يحتاجون لسانك بل يحتاجون إنسانيتك. في العام 1972 خرجت بنجلاديش من حرب الاستقلال مع باكستان منكسرة وفقيرة.. كان الدكتور (محمد يونس) عائداً للتو لبلاده من أجل التدريس في الجامعة.. يقول البنجلاديشي الحائز على جائزة نوبل: كنت أشعر بالخجل الشديد وأنا أُحدِّث الطلاب عن نظريات الاقتصاد الحديث بينما تتراءي لي من نافذة القاعة أكواخ الفقراء، وهم يقعون تحت وقع الفقر والبرد والمطر، ويموتون جوعاً في الطرقات!. لقد أحس (يونس) بكراهيته لنفسه لشعوره بانفصاله عن مجتمعه.. فقرر ترك قاعات الجامعة والنزول إلى الفقراء للبحث معهم عن حل، فكان بنك (جرامين) للقروض الصغيرة الذي نفع الناس ومكث في الأرض. انزع عنك عمامة الواعظ، وشارك الناس آلامهم، لا تنظر لهم بفوقية الملاك الذي لا يخطئ، كلنا بشر وكلنا خطَّاؤون.. اطرحِ فكرك دون وعظ مؤلم، فمعظم الناس يكرهون النصيحة.. انتبه لنبرة صوتك وطريقة حديثك فكثير من الكلمات تفقد معناها بسبب فضلاً.. انزع عمامة الواعظ! - نقلا عن صحيفة المدينة