أتفهم أن يثور غضب مسؤولي الكونغرس الأميركي على أي اعتداء أو إساءة تمس الأمن في بلادهم أو أي شأن داخلي يتعلق في دولتهم أو حتى أمنهم الخارجي، إنما أن يهددوا بالويل والثبور وبوقاحة تفتقر لكل خطوط الديبلوماسية ولشأن لا يخص الأميركيين فلهو أمر غير مقبول، بل ومرفوض و»أعلى ما في خيلهم فليركبوه». نعم، نرفض أن يتدخل الأميركيون أو غيرهم في شؤوننا الداخلية، إلا إن كان نوعاً من النصح وتبادل المشورة في مسائل حقوق الإنسان أو حرية الرأي التي يتميز بها الشعب الأميركي داخل أميركا طبعاً وليس خارجها. توم مالوينسكي من الحزب الديموقراطي يخاطب وزير الدولة للشؤون الخارجية عادل الجبير بقوله: «سنسن تشريعاً يتجاوز خطوطك الحمراء»، هذا الإسفاف في التهديد يوضح عقلية الاستعمار التي تعشعش في عقول الساسة الأميركان، وهو ليس بغريب على هذا «الكونغرس»، فمن قبل أصدروا قانون «جاستا» المجحف الذي يتيح لأي مواطن أميركي مقاضاة دول، في حال تعرض هؤلاء المواطنين إلى ضرر من أفراد من هذه الدول، إلى قانون يعد الآن من الكونغرس يتيح لهم مصادرة أصول دول «أوبك» بحكم أنها تحتكر الأسعار.أتفق مع الجبير عندما قال: «إن التهديدات الأميركية من أعضاء في الكونغرس تصب لصالح من ينادي الموت لأميركا»، مع التأكيد أن ملاحظة الجبير أتت متأخرة، فالسياسة الأميركية الخارجية أدت إلى اصطفاف دول كثيرة ضدها حتى أقرب حلفائها، وأشدّ على يد الوزير بالإكثار من هذه المقابلات، فمن الواضح أن «الكونغرس» لا يريد أن تصل الصورة واضحة للشعب الأميركي. ماذا يريد الأميركيون على وجه التحديد؟! أن نبصم على كل طلباتهم.. أن نمنحهم الفرصة للتحكم بأسعار النفط.. أن ننخرط في «مشروع القرن» ونهلل لوجود عضو فاسد داخل القدس الشريف (هذا هو الأهم بالنسبة لهم)! كل هذا وأكثر، فالمستعمر لا يشبع ولا يرتوي وهو يفتح فاهه بشراهة ولا يقفله. انظروا إلى خطاب الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو الذي تريد أميركا الإطاحة به إلى الشعب الأميركي، إذ يقول: «تمر الأيام التي ستحدد ما هو مستقبل علاقات بلدينا الحرب أو السلام»، وأردف الرئيس قائلاً: «إن ممثلوكم في واشنطن يريدون إرسال الكرة إلى حدودنا كما أرسلوها إلى فيتنام، يريدون القدوم وغزو فنزويلا كما فعلوا في فيتنام باسم الحرية». الرجل يخاف على شعبه ولا يريد مصيراً كالعراق بعد احتلاله من قبل أميركا وتمزيقه إلى بؤر طائفية وامتصاص خيراته، على أن أميركا دائماً ما تخشى من المستقلين مهما كانت الشوائب التي تكتنف سلوكياتهم مثل رئيس كوريا الشمالية أو فيدل كاسترو سابقاً أو الرئيس الفنزويلي الحالي. نعم هم يريدون شراء الشعوب والدول وب»أبخس» الأثمان، أما مصير هذه البلدان فهي لا تعنيهم. نحن في المملكة لسنا دولةً نوويةً ولا نريد قطعاً أن تهتز علاقاتنا مع أميركا، فكما قال المتنبي: ومن نكد الدنيا على المرء أن يرى عدوا له ما من صداقته بدّ أميركا ليست عدوة لنا، لكنها يجب أن تراجع سياستها الخارجية، فمهوم الصداقة أو التحالف نفهمه باللغة العربية أنه مساواة وليس تبعية، فأرجو أن يتفهّم الأميركيون ذلك. من جانبنا، أتمنى أن نركز وبمساعدة وتحالف وتوحد مع أشقائنا في الدول العربية على تطوير الجامعة العربية وتفعيل دورها، فالأفق يلوح بمؤشرات سيئة في ظل مطامع من دول كبرى ومن الدولة المحتلة ومن المطامع الإقليمية لتركيا وإيران. نقلا عن الحياة السعودية