إن أحدنا ليستغرب عندما يرى أحد الحزبيين أو المتعصبين لأفكارهم وتصوراتهم الخاصة مكتمل العقل والمواهب،ً وبعضهم ممن برع في تخصصه علميا ً وتمكن فكريا من كل أدواته ومهاراته العامة والخاصة يخلب الألباب فينقاشه وفي حضوره حتى إذا مرت به لوثة الحزبية تجاه فكرة أو مبادرة أو مشروع ما، تجده أول الهابطين إلىساحات المزايدة الفكرية والدينية والسياسية المتسخة، بل تراه قد تحول إلى كائن مدمر غريب أشبه «بالزومبي»يقضي على كل شيء حوله، لا لشيء إلا لأنه مغاير عن تصوره للأشياء من حوله ! وما إن يصاب أحد من الناسً بهذه اللوثة الفكرية حتى يصبح انفكاكه منها ضربا من الخيال وعملية الاستشفاء معقدة للصحة النفسيةوالجسدية والعقلية.. ومن أبرز صفات هذه الكائنات التي يشتركون فيها كصفة عامة تكاد تميزهم بها عن غيرهم، وهي سوء الظنً في كل شيء يصدر من عند غيرهم، وخصوصا إذا ما صدر من الأفراد أو المنظمات أو الحكومات التي يعادونهاحتى تصل بهم الحال إلى اختلال ميزان القيم والأخلاق في منظارهم. الحزبية في مجملها تعني الهوى والانحياز لفكرة في ذاتها وفي مستوى أعلى لفلسفة ولمبادئ وبرامج معلنةً تحاول أن تجد حلولا للمعضلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وهذا في عمومه صحيح ويمكن أن يتمالنقاش حوله وفيه، ولكنها إذا ما تحولت إلى حزبية فكرية أو دينية أو سياسية استعدائية فقدت ميزتها فلا هياكتسبت مهارات السياسة ولا هي تحلت بأخلاق الدين. وهي أقرب ما تكون إلى فكرة استئصالية تقوم علىاستعداء المخالف وترهيبه وتشويه سمعته بكل ما يتاح لها من وسائل قذرة أو غيرها.. أما ثاني أسوأ وأخطر مظاهر الحزبية والتحزب أن تتسلل عبر رجالها أو أفكارها وأجندتها بخبث إلى الحكوماتوأجهزة الدولة دون أن يتنبه لها العارفون والعالمون ببواطن الأمور وظواهرها، وهنا تسعى إلى استخدام أجهزةً النظام دون أن يشعروا أو حتى يقصدوا في أمرين، أولا جلد خصومها بتهمة التخوين أو التفسيق من خلالاستخدام أعلى مراتب المكارثية في تصفية الخصوم، والثانية السعي إلى تفتيت النظام نفسه والانقضاض علىالدولة في أي فرصة سانحة ! الحزبية القميئة من هذا النوع السياسي والديني والطائفي والعنصري ليست سوى مشروع هدم للأوطان تمتً تجربتها وفشلت فشلا ً ذريعا، وهي تتفتت عندما تجد أن لا مجال ولا مناخ مناسب لظهورها، ولكنها لا تذوبً تماما بل تعود مرة أخرى لتلتحم أجزاؤها عند كل فرصة تراها أو تسمعها في لحن القول، وتاريخ الأحداث فيً الخمسين عاما ً الماضية يروي لنا كيف استطاعت هذه الأفكار أن تتخفى عقودا ثم تظهر ذات ليلة لتنفث كلأحقاد السنين مرة واحدة كلما سنحت لها الفرصة أو تغافل عنها الرجال نقلا عن عكاظ