قبل بضعة أشهر أعلن وزير التعليم مشروعا جديدا لتطوير مناهج الثقافة الإسلامية في الجامعات والمراحل التعليمية الأخرى، وهي خطوة مرحب بها لتخليص المناهج القديمة من أفكار وآراء كتبها حزبيون وانتهازيون. ولم تكن في مجملها تعكس القيم الدينية المعتدلة. ومثلما بدأ مشروع تطوير مناهج الثقافة الإسلامية، أتمنى أن يكون هناك مشروع تطويري آخر يشمل مناهج التاريخ، فالمناهج القديمة التي درسناها، وأغلبها لم يطرأ عليه تغيير، ما زالت بعيدة تماما عن تاريخ الجزيرة العربية وأبطالها الذين سطروا كثيرا من الملاحم التاريخية. وقد حوت مناهج التاريخ كثيرا من الأحداث الإسلامية والعربية، لكنها في تقديري أهملت المحتوى المحلي لأحداث كثيرة كان أبناء المملكة فيها هم نجوم البطولة وضيوف التاريخ، الذين لم تغب أسماؤهم عن ذاكرة الزمن. وأذكر في المرحلة الجامعية كانت مادة تاريخ المملكة إلزامية في جامعتنا، ولا أعرف ما إذا كان هذا مطبقا في كل الجامعات أم مسألة اختيارية، لكن المنهج الذي درسناه كان ركيكا ولم يعط الأحداث التاريخية قيمتها التي كانت تستحق، وبالتالي خرجنا منه دون فائدة تذكر، ومعظم الأحداث التي عرفتها لاحقا كانت نتيجة اهتمامي بالقراءة والتثقيف الشخصي والاستفادة من التقنية في تحديد المواقع والأحداث، وهو ما تفتقده المناهج الحالية. فمن يصدق أن كثيرا من أبناء الجيل الحالي لا يعرفون أن أبناء القبائل سطروا ملاحم تاريخية في مقاومة المحتل "التركي" في كل شبر من هذا الوطن؟ فأين المناهج الحالية عن ذكر ذلك؟ أعطوني منهجا واحدا يسرد لنا هزيمة الجنود الترك التاريخية في منطقة الباحة على يد البطل التاريخي بخروش الزهراني؟ وكيف غفلت المناهج التاريخية عن سرد قصة معركة "بسل" الشهيرة التي شاركت فيها قبائل الحجاز بقيادة ابن سعود لصد الغزاة عن احتلال الحجاز؟ وكيف نخجل من قصة غالية البقمية وفاطمة آل عايض العسيرية اللتين قادتا الجيوش للدفاع عن أراضيهما وأذاقتا المحتل شر هزيمة؟ وكيف يمكن أن نتجاهل تلك الوثيقة التاريخية للملك عبدالعزيز وهو يرد على تهديدات العثماني حسن شكري ودعوته بالاستسلام له وتسليم ما لديه من أموال ورجال بقوله، "إني ماض لتحرير وطني من ظلمكم واستبدادكم". وماذا عن مشاركة أبناء السعوديين في تحرير فلسطين، وهل ذكرت المناهج الحالية أن هناك أكثر من 80 شهيدا من كل أبناء الوطن دفعوا أرواحهم من أجل القدس، ووثقت كتب التاريخ بطولاتهم وتجاهلتهم مناهجنا. هذه نماذج بسيطة من أحداث تاريخية مهمة كان الأولى أن تأخذ حقها من الطرح والنقد والتحليل، ليعرف جيل اليوم أن أبناء هذا الوطن لم يكونوا يوما على الهامش، بل كان التاريخ يصنع هنا جيلا بعد جيل، في أرض الحضارات والتاريخ. فهل نرى مناهج حديثة متطورة تليق بهذا الإرث العظيم؟