لا أحد يعتقد أن نفسه قد تضمر أي إحساس عنصري، إذ نقرأ ونعرف ونرى الآخرين يتحدثون والقوانين تسطر ضد العنصرية، لكن بربك ألا تواجهك هذه المشاعر الصغيرة الدفينة أينما ذهبت؟ راقب نفسك وتأمَّل مشاعرك وعقلك كيف يعمل حين ترى بنغلاديشياً من عمال الزبائل يحمل مكنسة في وسط شارعنا ليحافظ على نظافته بماذا نكافئه ؟ بنظرات الريبة والاحتقار لصغر المهنة والمنشأ، وهي ذات النظرة حين يواجهنا حارس ذو أصول أفريقية رث الهيئة، فتتمدد أعيننا تحفظاً ونفوراً لا نبالي بسترها، أو قد نأتي في مواجهة عيني خادمة سيرلانكية عركها الزمن والفقر لطول الغربة وطول ساعات العمل، فنأمرها بالابتعاد عن وسط الطريق المخصص لأصحاب الدماء الزرقاء مثل كل السعوديين الذين يعتقدون جازمين أنهم من جنس خاص يترفَّع حتى عن الأشقاء العرب، ويتسامح قليلاً مع من وهبهم الله من عوائد نفطه كدول الجوار الخليجي. ثقافتنا اليومية تنضح بالممارسات الإسقاطية (المعنصرة) على كل من نعتقد أنه أقل منا: فحارس الباب عند الجامعة يصرخ بشراسة على سائقينا من ذوي الأصول الآسيوية، ورئيسه في العمل يصرخ فيه لأنه مجرد حارس بسيط ومن وسط اجتماعي لا يحمل ثقلاً يستحق القلق، والعاملة السعودية داخل المبنى تتآمر على الآسيوية، والآسيوية تنتقم من الطفل الذي لا يملك لنفسه حولاً ولا قوة، وهكذا تكر المسبحة عبر تصنيفات لا تنتهي تشبعناها عبر نظام قيمي مؤذ، عزز مكانة القبيلة والمال والقرب من السلطان كمعايير للتقدير، وقلل من الناس كأناس خلقهم الله كما خلق غيرهم غير أنهم لم ينعموا بما أنعم الله على ابن شيخ القبيلة. تنص المادة 1 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على: ولادة «جميع الناس أحراراً ومتساوون في الكرامة والحقوق. وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الإخاء». في حين تنص المادة 2 على أن «لكلِّ إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحرِّيات المذكورة في هذا الإعلان، دونما تمييز من أيِّ نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدِّين، أو الرأي سياسيًّا وغير سياسي، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي، أو الثروة، أو المولد، أو أيِّ وضع آخر». وتنص المادة 11 في النظام الأساسي للحكم في المملكة العربية السعودية على: أن يقوم المجتمع السعودي على أساس من اعتصام أفراده بحبل الله وتعاونهم على البر والتقوى والتكافل فيما بينهم وعدم تفرقهم. هذا ما نصت عليه القوانين الدولية ونظام الدولة الأساسي، ومع ذلك تتوشح ثقافة التعامل اليومي لنا وفي كل مكان صغاراً وكباراً بالمشاعر والسلوكيات العنصرية إلا من رحم ربي. فما العمل؟ في ظني أن التعليم هو المطبخ الحقيقي للتخلص التدريجي من هذه المشاعر البغيضة، ضمن خطة واضحة وصادقة تعترف بمكامن الخلل وتعمل على خلخلة أسسها الثقافية ومعالجة خبراتنا الشخصية المشوهة، فأطفالنا لا يرون آسيوياً إلا ويرون فيه صورة السائق أو العامل اليدوي بما تحمله هاتان المهنتان من مهانة في السلم الاجتماعي المحلي، وكذا الأمر على كل عاملة وعامل.. إلخ من التشوهات الذهنية التي اختزنتها ذاكرتنا عبر السنين. منابر المساجد التي يصل وهجها خمس مرات في اليوم إلى الملايين يمكن أن تصنع المعجزات بالتأكيد على مبادئ المحبة والمساواة والتذكير بخلق سيدنا محمد بن عبد الله - صلوات الله وسلامه عليه - مع وضع القيم الدينية موضع التنفيذ، حيث يكون خطباؤنا وعلماؤنا قدوة يحتذي بهم متابعوهم في تواضعهم ورهافة حسهم الذي يدرك الفروق بين البشر لكنه يؤمن بالقيمة الإنسانية المتساوية لهم مهما اختلفوا. الإعلام يمكن له أن يلعب دوراً كبيراً بتأكيد نماذج الاختلاف عبر إبرازها وإعطاء الفرصة لمن حرموا منها بسبب جنسهم أو لونهم أو موقعهم الطبقي. الجمعيات المدنية يمكن أن تكون فاعلة متى أعطي لها الضوء الأخضر لتنظيم فعاليات اجتماعية وترفيهية وتدريبية ضد العنصرية في كل موقع وستحدث الفرق في الأوساط الفقيرة التي تحتاج لها. المرأة والعامل والمعاق والأسمر وكل المختلفين يعانون يومياً إسقاطاً مريعاً (ربما هو غير ملموس من البعض) لكن ليتهم وليتهم فقط يضعون أقدامهم في أحذيتنا ليكونوا نساء أو معاقين أو سمر ولو لمرة واحدة فقط وعندها ربما يبدؤون في تفهم ماذا تعني العنصرية البغيضة. نقلا عن الجزيرة