زال الغبار بعد العراك ضد ومع عدنان إبراهيم وبرنامجه صحوة، لكنه بقي في قلوب الكثيرين قبل عقولهم، وقد طرح نفسه كرجل دين (خطيب جمعة) لا يريد إعلان استقالته من الفضاء المدني حتى الآن، لكنه يحاول إعادة إنتاج نفسه عبر ما يسمى (المثقف الديني)، وهذه الحالة تعود للغة العرض والطلب لرأسمال رمزي ما زال له سعر صرف يزيد وينقص حسب اقتراب المجتمع من روح العصر، ولهذا فعدنان إبراهيم نموذج لهذه الحالة، التي وجدت قبولا منقطع النظير في وسط غير حداثي وجدانيا يريد التعايش مع الحداثة واقعياً، ولهذا فربما متابعوه في المشرق العربي أكثر من متابعيه من المسلمين العرب في المغرب العربي وأوروبا، وأفضل تحليل لفت انتباهي لهذا الظاهرة، هو تحليل الدكتور صالح زياد على صفحات هذه الجريدة عندما أوضح أن التعامل مع هذا (المثقف الديني) هو في الاستماع لما يطرحه من أفكار كمثقف، لكن إن لبس ثوب الواعظ فسنجد فيه كل عيوب الخرافة التي تتنافى والمنهج العقلي. ما لم يذكر عن (المثقف الديني) أن سر إعجابنا به هو (ثقافته) كمتدين، فالسر هو في الثقافة وانعكاسها على فهمه الديني بما يتناسب وزمننا، وندرتها في أمثاله من خطباء المساجد، أما سر جماهيريته فلأنه خطاب ديماغوجي يستبطن قاموسين، قاموس المثقف وقامومس الداعية، بينما تجد الدعاة الآخرين ديماغوجيين بقاموس يتيم واحد يطعمونه على خجل بمفردات الثقافة، فهو كالمحل التجاري الذي على شارعين، ومن الطبيعي أن يصبح رواده أكثر من رواد الدكاكين التي على شارع واحد، المفارق في الأمر أن أبا يعرب المرزوقي ترافع ضد (عدنان إبراهيم المثقف) لصالح (عدنان إبراهيم الواعظ) وكان يضرب المثقف بالواعظ والعكس، ليظهر للقارئ العميق تحيز (الواعظ المرزوقي) ضد (المفكر المرزوقي)، رغم أن الفكر الحر يجب أن يكون رحما بين الأحرار، لكن الأيديولوجيا سيدة التناقضات، والإنسان الحكيم رحلة دائمة نحو الكمال. أما تجليات الحالة الدينية في داخل عدنان إبراهيم، وخصوصاً في مفهوم الإيمان بما يراه كاليقين فتبقى خصوصية تعنيه ولا تعنينا، وليس للعقل محل في تحريرها، فالإيمان رابط تسليم وليس رابط تفكير، ولهذا فلا محل لجدل عقلي في مسائل الإيمان، فأن تؤمن أو لا تؤمن تعتبر مسألة شعور خاص لحالة وجودية تقتضيها مخرجات نفسيه خاصة تعتمد على التنشئة والوراثة، فحتى برتراند رسل كان يحكي عن صعوبة التخلص من المسبقات التربوية للفرد، ومن المفارق أن عدنان إبراهيم نفسه كان يحكي عن هذه النقطة كثيراً، وقد وقع فيها أبو يعرب المرزوقي إذ استخدم أدواته كمفكر حداثوي ديني للدفاع عن المسبقات التربوية التي عاشها كشخص نشأ في بطريركية دينية، وتجد مثلها يتكرر حتى عند رجال الدين السنة عندما يقيمون محاكمات عقلية لبعض أطروحات الشيعة ويسمونها خرافات، بينما نفس المحاكمة العقلية يمكن إقامتها على كثير مما يطرحه الدعاة والوعاظ من أهل السنة لنخرج بنفس النتيجة والاتهامات، ولكنك تجد كل طرف يرى القذاة في عين أخيه ولا يرى الجذع بين عينيه، بينما المثقف لا يمكن أن يكون مثقفاً ما لم يمتلك حسَّاً نقدياً لواقعه، وقد يحاول المجتمع تطويع هذا الحس النقدي لدى المثقف ليوجهوه باتجاه خصومهم، فإن نجحوا في تطويعه بأدواتهم في المراقبة والمعاقبة واعتاد المثقف هذا الطريق السهل أصبح داعية أيديولوجيا لخطاب تعبوي مهما ادعى الحياد، فمثلاً قد تجد مثقفا معروفا يهاجم البنية الفكرية والسياسية والاجتماعية والدينية لطائفة تنتمي لنفس دينه لكنها على غير طريقته، ليصبحوا (الآخر)، ولكنه لا يتجاوز في نقده لبيئته قشرة النسق العامة الشاملة الناعمة التي تحاول قول كل شيء ولا تفتح باباً لشيء، ويكررها دائماً في كتبه، متجنباً الزوايا الحادة والمفصلية التي طرقها عند نقد الآخر سياسيا وفكريا واجتماعيا ودينياً، ليصبح بطل الأكثرية، بلعبة حياد مزيف وغير موضوعي. نقلا عن الوطن