تداول السعوديون مساء البارحة مقطعاً لمدة 25 ثانية تقريباً نقل حديثاً بين القيادة والمواطن، حديثاً بين ولي العهد السعودي ومواطن من ذوي ضحايا القديح، وإن كان الحوار ساخناً وهجومياً من المواطن للحد الذي يعكس لك بالضبط أن الإنصات والحلم فعلان قياديان تلمسهما مهما كان الجرح، وعلى رغم الظروف المحيطة والمصاحبة، وكون السؤال حاداً ومنفعلاً وجاهلاً، إلا أن ولي العهد قرأ الانفعال واللغة الهجومية المغيبة للعقل فقدّر ذاك الانفعال وعرف أن العاطفة وحجم الفقد أكبر من أن يذهب المواطن لسؤال عاقل أو سطر مناسب للحظة واحدة. عرف ولي العهد أن الحزن هو من يتحدث ويرتب كلمات السؤال وجمل الاتهام للدولة ورجالها، لكن فن الاستماع يجعلك أكثر قوة على اختيار الإجابة المختصرة والنافذة، ويذهب بك لمنطقة صارمة في النطق بالحق. عرف محمد بن نايف أن ثمة أسئلة خارجة عن النص وأشبه بالقصف العشوائي الذي يضحكك أكثر من أن يستفزك. الإرهاب ذهب للرياض وبقيق والخبر كما ذهب للقديح والدالوه، تعددت وسائله وتوجهاته، لكن هدفه واحد، وإن كان الإرهاب هذه المرة تقيأ ليضرب النسيج ويفتت ويحيل الأسئلة الوطنية المشتركة والهم الموحد لأسئلة محتقنة وجالبة للكراهية والتصفية والتأليب على قيادة ووطن. أخذ ولي العهد سؤال المواطن بهدوء تام، ولكنه لم يرد أن يذهب الهدوء دون أن يصاحبه ما يلزم من الشرح الثقيل المختصر، والذي تمضي به وبرفقته مئات الرسائل الحاسمة واللازمة لتنقطع التغذية الطائفية أو المتهورة عن السؤال، وما في حروفه من الحضور العاطفي البحت ناقص القراءة والرؤية. «الدولة قائمة ومن يحاول القيام بدور الدولة سيحاسب ولن تأخذنا في الله لومة لائم، الدولة ستضبط الأمن مع من يخالف، ولكن يداً واحدة مع الدولة» تربعت الإجابة في 25 كلمة، وكأنها تجيب عن كل ثانية وقوف مع المواطن بكلمة ساخنة، وتوجز الحكاية، وتصف خريطة العمل التي تسير عليها الدولة، وفي ثنياها «روشتة العلاج» لمن أصرّ على أن يستدعي من الأمراض الفكرية أو العقلية ما يجعله في مكان ليس له ولن يكون له. الجماعات المتطرفة استهدفت ذات يوم محمد بن نايف بالتفجير المباشر، ونفذت حرائقها وجرائمها في بقع وطنية متوزعة على الخريطة، كان يهمها كيف تفتك بالأبرياء، وما السبيل لتفكك وطناً وإشغاله داخلياً وخارجياً؟ لم يتحدث أحد في تلك المآسي عن تساهل أو تغاضي وتشكيك، على رغم أن سيناريواً مشابهاً حدث في الخبر يشبه الذي كان في القديح، ليس على صعيد توقيت ومكان التنفيذ، بل على صعيد التفكيك الدقيق والحسابات التي ذهب لها المواطن بشكل غير مباشر في سؤاله لولي العهد. توقفت كثيراً عن الصراحة التي أتت على هيئة صفع لطيف حار عابر في تأثيره للفرِحين بما يمس الجسد السعودي، وتوقفت أكثر عند حدة نقاش المواطن للقيادة ومحيطه الحر، ومتأكد أن هذا النقاش الخاطف أبلغ من مئات العبارات التي نحاول إيصالها أو نَقْلَها، لكن محمد بن نايف أوصلها ضابط الأعصاب، هادئ الحضور، حاضر الإجابة، حتى مع هجومية السؤال ولعبه الجاهل على أوتار لا تخدم إلا من يرسم لنا أوطاناً أخرى طحنتها الشكوك، وذبحتها التقسيمات، وبعثرتها الكراهية والطائفية. نقلا عن الحياة - اللندنية