العالم العربي والإسلامي مليء بالحروب والمشاحنات، والضحايا الأبرياء فيه ليسوا بالعشرات أو المئات أو الآلاف بل بمئات الآلاف. اضطهاد وقتل النفس الزكية أمر منبوذ يحرمه الشرع ولا يقبل به حس إنساني سليم ولكنه شائع اليوم ومتاح وأغلب الضحايا من العرب والمسلمين. لماذا وكيف صار اضطهاد قتل النفس الزكية رخيصا بهذا الشكل؟ هناك من المفكرين من أمضى حياته يدرس ويحلل النفس البشرية كي يتوصل إلى تفسير مقنع عن الشر الذي يقترفه الإنسان وكيف يصل الأمر به إلى إلغاء الآخر من الوجود. واحدة من المفكرين والفلاسفة العصريين الكبار الذين نجحوا في تفسير الشر الكامن في الإنسان وكيف يتغلب هذا الشر على الخير إلى درجة اقتراف فظائع رهيبة هي هنّا أرندت. درست أرندت نفسية النازية من خلال الخطاب الذي كان يبثه ويكتبه النازيون وأمضت عمرها منكبة على فك طلاسمه وتفسيره وتوضيحه وكيف أنه أوصل وأقنع ألمانيا النازية باقتراف جرائم شارك في ارتكابها عمليا وتنفيذا لأوامر عليا مئات الآلاف من البشر وصل الأمر بهم إلى زج الناس في أتون النار والغاز بالملايين وإحراقهم وهم أحياء. ليس بإمكان رسالة قصيرة كهذه منح أرندت ونظرياتها حول تفسير الشر والأسباب التي تدعو البشر لاقترافه، ولكن بعجالة وتركيز نقول إن الشر حسب رؤاها يأتي عند استخدامنا لخطاب أو لغة أو نص ننتقص فيه من الآخر ولا نراه مساويا لنا من حيث القيمة الأخلاقية والإنسانية والقانونية والحقوقية في هذه الأرض ونحكم عليه ببئس المصير في الآخرة. الخطاب الإقصائي الذي يلغي الآخر لا نعرف عنه شيئا عند الولادة. نقتبسه من المحيط والبيئة التي ننمو فيها وتغرسه فينا المؤسسة، دينية كانت أو مدنية. وكل فكر يتحول إلى مؤسسة، أي فكر، يصبح انتقائيا، أي يركز على ما يلبي مصالحه ومنافعه من الخطاب والنصوص ويوظفها لأغراضه ومنافعه الخاصة وتحقيق غاياته في شتى المجالات. وأظن أنه بإمكاننا تقديم تفسير محدد لما يجري الآن في البلدان العربية مثلا حيث نرى أن فئات ومجاميع محددة تتخذ من لغة محددة واقتباسات مجتزأة لنصوص لا يمكن تفسيرها دون شموليتها وسياقها و"زمنكانيتها" عذرا لاقترافها أمورا شريرة. أنا لست فقيها ولا حافظا للقرآن، ولكنني أكاد أجزم أنه باستطاعتي جلب آيات ونصوص تفحم ما يتخذه البعض ذريعة لانتهاك حقوق الآخرين المختلفين عنهم واضطهادهم وقتلهم. لا يجوز إلباس فكر نير مثل الإسلام ثوبا يجعل منه غريبا عن نطاق العصر والزمن الذي نعيشه. هل هناك حاجة إلى ذكر أمثلة لمفكرين مسلمين كبار كان لهم السبق في تحديث وعصرنة الفقه كي يتواءم مع متطلبات العصر؟ الفكر الذي لا يتطور والتفسير الذي لا يربط متطلبات الحاضر بالماضي يبقى غريبا ويحارب نفسه بنفسه ومن ثم يندثر. المأساة لا بل الكارثة التي تحيق بالعرب والمسلمين في الشرق الأوسط في رأيي المتواضع مردها التفسير العشوائي والانتقائي والغيبي للنصوص و"الخطاب" الذي يستند إلى "زمنكانية" خارج عن نطاق زماننا ومكاننا من ثم بناء الأعمال والممارسة عليها وعند تطبيقها تصبح نشازا وتثير اشمئزاز المتنورين من المسلمين ومحبيهم والمدافعين عنهم. لا يجوز منح أي أعلذار للأعمال الشريرة التي تقترفها بعض المجاميع ويجب العمل ليل نهار لإبعاد الإسلام كفكر عنها وعن مرتكبيها. الإسلام الذي نعرفه براء من هكذا مجاميع شريرة وهكذا أعمال وممارسات غير إنسانية. العرب والمسلمون عليهم قبل غيرهم محاربة كل من يفسر النصوص على هواه لتحقيق غايات سياسية وغيرها. هذه مهمة أخلاقية وإنسانية وإسلامية أيضا لأن من يشوه سمعة الإسلام بالقول والفعل والساكت عنه وأقواله وأعماله يشارك هذه المجاميع تشويهها للإسلام كفكر نير ونعمة للبشر نقلا عن الاقتصادية