عند استعراض أي من التصنيفات الدولية للجامعات، سوف نجد عدة عوامل مشتركة فيما بينها. لكن الأكثر وضوحا بين تلك المشتركات هو "البحث العلمي" وماينتج عنه. . فبنظرة فاحصة ومتعمقة نجد أن معاناة جامعاتنا في الوصول الى مراكز متقدمة في تلك التصنيفات يرجع إلى تأخر البحث العلمي ومخرجاته عن مواكبة رسالة الجامعة ورؤيتها ورسالتها المنشورة . قبل أيام ضمّني مجلس مع عدد من الأكاديميين، كان النقاش فيه حول هموم التعليم العالي عموماً. وكان أن طرح أحد الحاضرين سؤالاً وقال "لماذا لم يتم ترشيح أحد باحثينا أوعلمائنا السعوديين للحصول على جائزة عالمية مثل جائزة نوبل؟!, فسكت الجميع، ووجدت أن من واجبي أن أجيب على تساؤله، ولكن بطرح مجموعة من التساؤلات التي قد تساعد على الوصول الى لب القضية، وليس تسطيحها، وبالمناسبة فلقد كان ذلك السائل أكاديمياً متقاعداً! ومما طرحت من أسئلة في تلك الجلسة، مايلي: أولاً : هل لدينا رؤية وطنية واضحة بأن يكون لدينا بحلول العام 1450 ...مثلاً.. أحد علمائنا الفائزين بجائزة نوبل أو إحدى الجوائز العالمية المرموقة؟ ثانيا :ماحجم ميزانيات البحث لجامعاتنا (مجتمعة)؟ وهل يمكن مقارنتها بميزانية جامعة واحدة من الجامعات العالمية ذات السمعة المرموقة في البحث العلمي ؟ ثالثا : ماهو دور مراكز البحوث في جامعاتنا ؟ وهل هناك خطط سنوية ترتب أولويات البحوث المدعمة من ميزانية الجامعات؟ وهل تتناسب تلك الخطط، إن وجدت، مع الخطة الوطنية للبحث العلمي المنشورة من جهات مثل مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية؟ رابعا :هل يلتقي مسئولو البحث العلمي في جامعاتنا بصفة دورية منتظمة، ليستعرضوا خططهم بصفة مشتركة، وكيف ينسقون جهودهم لتقوم بين الجامعات مشاريع بحثية كبرى مستمرة وطويلة الأمد، ذات طبيعة متعددة التخصصات تعمل فيها عدة جامعات؟ خامساً : هل تم تحويل بعض خطط البحوث المشتركة من بحوث معملية الى بحوث تطبيقية ومن ثم تحولت الى مبادرات أعمال مشتركة بين الجامعات في مواضيع ذات أهمية وطنية ؟ سادسا : هل استفادت جامعاتنا حقيقة لا مجازاً مما تقدمه الجهات الداعمة المحلية كمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، وسابك، وجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، وأرامكو، وغيرها، وبشكل كبير، وليس بمشاريع صغيرة وعلى استحياء؟! سابعاً : إننا ومهما تفاءلنا فإن الدعم المالي المحلي للبحث العلمي يبقى أقل بكثير من أن يساعد على تطويره والدفع بعجلته الى الأمام. فهل يمكن أن يصبح دعم البحث العلمي في الجامعات أولوية وذا أهمية كبرى حين تضع وزارة المالية خططها في تنسيق ودعم ميزانيات الجامعات؟. ثامناً: طرقت جامعاتنا أبواب التعاون الدولي خلال السنوات الماضية، وذلك بتشجيع واضح من مقام الوزارة. إلا أنه، والى الآن، لم تتفرد جامعة من جامعاتنا بسبق علمي بحثي نتج عن ذلك التعاون. قد يكون الوقت مبكراً لحصد نتائج مبهرة، لكن وكما يقال للصباح تباشيره، ولعلنا نراها قريباً. تاسعاً : مما يميز البحث العلمي في الدول المتقدمة هو الاستثمار في العقول الشابة من صغار الباحثين كالطلاب والمعيدين وطلاب الدراسات العليا، وكم تمنيت أن أستطيع أن أحصي هؤلاء في عموم جامعاتنا . .وأخشى أنهم من النوادر لقلة وضعف مشاركاتهم في البحث العلمي، وعدم وجود الرؤية الواضحة أصلاً للإعتماد عليهم وتأهيلهم كعلماء للمستقبل. عاشراً : المعامل البحثية مُكلفة جداً، وبالكاد تصارع معظم جامعاتنا في توفير مستلزمات معاملها الدراسية، بل وقد يظن البعض أن المعامل البحثية شيء من الترف الذي لا يليق أن يشغلوا بالهم به. فهل نرى تغيراً في ذلك في القريب العاجل؟ حادي عشر: تخصص الجامعات كل الوظائف الممنوحة لها للتعاقد مع اساتذة للتدريس. فهل جاء الوقت الذي يتم فيه تثبيت نسبة معينة من الوظائف للتعاقد بها مع باحثين متميزين وواعدين من كافة المستويات؟ أظن إن تمكنا من الإجابة على ما تقدم في ملاحظاتي الإحدى عشرة بالإيجاب، وحققناها في أرض الواقع، فسوف نرى مرشحين لجوائز عالمية كنوبل وغيرها. والأهم سنرى جامعات تحقق شرطاً أساسياً من شروط وجودها . . لاشك عندي في إخلاص نوايا الجميع، لكنها إجابات على تساؤل مشروع رأيت من الضروري والملح الإسهام فيه وطرحه بصورة أشمل، وفتح الباب لحوار أعمق فيه. . وبالله التوفيق . [email protected] نقلا عن المدينة