يتعجب المرء من مقدار الغفلة والسذاجة التي يتمتع بها بعض أحبتنا من أتباع وعاظ الفضائيات، فأحياناً يتم استغفال هؤلاء «الأتباع»، ومع ذلك يصرون على مديح المتبوع، ومحاولة التقرب منه، والدفاع عنه باستماتة. ويُحار المرء حقاً من كمية «إحسان الظن» لدى هؤلاء البشر، إذ لو كان استغفالهم مبهماً، أو حدث لمرة واحدة لوجدنا لهم عذراً. هذا، ولكنه يتم التلاعب بمشاعرهم مرة تلو المرة، ثم ينقادون بكل يسر وسهولة. ولا يراودني شك بأن الوعاظ أنفسهم يستغربون في قرارة أنفسهم من هذه السذاجة المفرطة لأتباعهم، وربما يشكرون الله على ذلك، فهؤلاء الأتباع «المغيبين» يمثلون مصدر دخل لا يضاهى لنجومهم المفضلين. من يتابع وسائل التواصل الاجتماعي يرى أن هؤلاء الوعاظ لا يقيمون وزناً لمن يتبعهم، فتجد أحدهم يكتب شيئاً، ثم يتفقون معه بالمجمل، ثم يناقض نفسه في اليوم التالي ويكتب شيئاً مختلفاً، ثم - مرة أخرى - يتفقون معه بالجملة، والويل ثم الويل لمن يتابع، وينتقد سلوك هذا الواعظ، أو ذاك، إذ إن سهام هؤلاء الأتباع ستصيبه، ولا يمانع هؤلاء «المغيبين» عن قذف كل من يتعرض لنجمهم المفضل، وأحياناً تجد الواعظ ذاته يشجعهم على ذلك! وقد وصل الأمر بأحد هؤلاء الوعاظ أن نشر على موقعه مقالاً لأحد أتباعه يشتم فيه أحد منتقديه، وربما أن هذا التابع المغلوب على أمره استعان بصديق خلال كتابة المقال، وقد يكون هذا الصديق هو الواعظ ذاته! وقد وصل أمر الاستغفال أن أحد الوعاظ كتب مرة تغريدة على تويتر يحث فيها على حسن الخلق، ثم بعدها بأقل من ساعة، كتب تغريدة يشتم فيها أحد خصومه، وسط تشجيع وتصفيق من الأتباع، الذين لا يرون حاجة ماسة لاستخدام «العقل» الذي أمرهم الله باستخدامه للتفكر، وماذا بعد من الحكايات؟ كانت آخر الطرائف في هذا الخصوص ما حصل مع واعظ شهير، إذ إنه كتب مرة ينتقد إحدى المؤسسات الإعلامية، ثم أقسم أنه لن يشترى أياً من المنتجات التي تعلن عنها، وبعد فترة وجيزة وقّع عقداً مع إحدى الشركات التي تعلن في تلك المؤسسة باستمرار، ولم يمض وقت طويل حتى كتب تغريدة على تويتر ينتقد فيها إحدى الشركات، ويبدو أن الشركة فهمت حيلته جيداً، ولذا فقد سارعت إلى توقيع عقد مجز معه، فما كان منه إلا أن كتب تغريدة يمدح فيها تلك الشركة، ويشيد بجودة خدماتها، ويحث «أتباعه» على التعامل معها، وفي خضم كل ذلك، كان الأتباع منقادين معه فيما يقول، دون أن تصيبهم شرارة تلك الكعكة المالية التي حصل عليها. وهنا نتساءل: هل يعقل أن يغيِّب الإنسان عقله إلى هذه الدرجة؟ لأن ما يجري يستعصي على الفهم السليم، أليس كذلك؟ نقلا عن الجزيرة