في جلسة ضمتني مع نخبة من الأكاديميين وغيرهم من المهتمين قلت " إن الوقف هو الضمانة الحقيقية لتميّز واستمرارية واستقلالية التعليم العالي على المدى الطويل ". انبرى أحدهم متسلحا بالأرقام قائلاً . . ياأخي . لقد خصصت الدولة 204 مليارات ريال لقطاع التعليم في 1433/1434 ه، مقارنة ب 168.6 مليار ريال في العام المالي السابق له، مما يمثل أعلى نسبة ارتفاع في الإنفاق على التعليم، بمقدار 21 % هذا العام ،لاأظن أننا بحاجة لأية هبات أو وقف لدعم التعليم العالي أبدا !!". قلت له أحسنت, ولكن هذه الزيادة في الإنفاق مرتبطة بارتفاع الدخل القومي - حاليا - والذي أسأل الله أن يدوم, ولكن هل تعلم أن "90 % من الجامعات الغربية تُدعم كليا أو جزئيا بأموال الوقف". وأن " حجم تمويل الوقف لمؤسسات التعليم العالي في أميركا يبلغ 119 مليار دولار، ويبلغ في جامعة كيوتو اليابانية 2.1 مليار دولار، ويبلغ وقف الجامعات الكندية 5 مليارات دولار. في الوقت الذي يبلغ فيه عائد الوقف فقط في 10 جامعات بريطانية 30 مليار دولار." بتصرف عن د/ عبد الله الغفيلي أما جامعة هارفارد فهي قصة أخرى, فالعائد من أوقافها يغطي ثلث نفقات تشغيلها، أي أكثر من 1.1 مليار دولار؛ حيث يستخدم العائد من الأوقاف في تقديم مساعدات مالية للطلاب، ودفع رواتب أعضاء هيئة التدريس، وصيانة المرافق. وقد كان د/ محمد العريان " خبير إقتصادي أمريكي مصري الأصل " مسئولاً عن الوقف الاستثماري لجامعة هارفارد، والبالغ قيمته 35 مليار دولار، وحقق عام 2007 م عوائد قياسية بمتوسط 23% للسنة المالية وهي الأعلى في تاريخ الجامعة . هذا الأنموذج يوضح لنا مدى أهمية الأوقاف، خاصة الجامعية منها، فلا تكاد ترى جامعة غربية إلا ولها أوقاف خاصة . يحذر د/ ابراهيم البعيز من " أن الاعتماد على ميزانية الدولة يكتنفه تذبذبات، قد لا تضمن للجامعة الاستقرار المالي الذي يساعدها على التنافسية على المستوى العالمي أو المستوى المحلي.". في هذه الحقبة المالية الذهبية، والتي ينعم فيها التعليم العالي بالدعم الحكومي الكبير, يجب ألا يُفهم الحديث عن الوقف وأهميته في التعليم العالي على أنه من باب الاستجداء أو وضع الحلول العاجلة لأوضاع أكاديمية صعبة , بل قناعة بأن الوقف يؤسس لمبدأ الاستقلالية المالية ويدعم الانجاز والتفوق العلمي، لكونه من الموارد المالية التي تتسم بالاستقرار، كما أنه سيخفف من الأعباء المالية على الجامعات ووحداتها العلمية حين تخطط وتنفذ مبادرات بحثية وعلمية عالية الكلفة . لكل ما تقدم فإنني أقترح أن تتبنى وتنفذ وزارة التعليم العالي - وليس إحدى الجامعات مع كل التقدير لها - مؤتمرا دوليا حول " التعليم العالي والوقف ", لتقييم التجارب المحلية والدولية ووضع رؤى مستقبلية للإستفادة منه على أوسع نطاق , ولإعادة " الوقف " إلى مكانه الطبيعي في الإسهام في الحياة العلمية وتقدمها . . وبالله التوفيق . نقلا عن المدينة