برزت خلال العقد الأخير ظاهرة شراء الشهادات العلمية العالية، ولست هنا بصدد الحديث عن خطورة هذا الأمر على المجتمع، لما فيه من غش، وخداع، وتدليس، وكذب، ولا عن حرمته شرعا، فهذا أمر مفروغ منه، لكني أود أن أتحدث عن أهل الفضل في ذلك، فقد كان هذا الأمر يضايق كثيرا من أهل العلم الحقيقيين، ويسيء إلى التعليم العالي في بلدنا، وإلى سمعة البلاد، كما أنه من الظلم أن يجد طالب العلم الحقيقي نفسه في النهاية في مقارنة ظالمة بأحد معدومي الضمير، ممن اشترى شهادة علمية عالية من الدكاكين المنتشرة على قارعة الطريق في كثير من البلاد. وخلال سنوات طويلة، لم يتصد أحد لهذه الظاهرة، على الرغم من خطورتها، ثم قيض الله لها زميلنا الدكتور موفق الرويلي، عضو مجلس الشورى، الذي بدأ نشاطا رسميا لمواجهتها من خلال عمله بالمجلس، ونشاطا مساندا من خلال الإعلام، ولم يكن أشد المتفائلين يتوقع كل هذه النتائج المذهلة لهذه الحملة المباركة على الغش والكذب والخداع، فقد أثمرت جهوده، وجهود كل من سانده لمناقشة مشروع تجريم هذا العمل إلى مرحلة متقدمة، كما أن كثيرا من الوهميين بدأ فعليا بالتخلي عن اللقب الوهمي، بل إن بعض هؤلاء الوهميين قد أعلن تبرؤه من شهادته المشتراة، ووصل الأمر درجة أن أحد الدعاة أحرق شهادته الوهمية للدكتوراه في مسجده، وأمام مريديه، وهو عمل شجاع، على الرغم من أنه لم يحدث إلا بعد أن أدرك أنه إن لم يفعل، فقد يكون مجبرا على ذلك مستقبلاً. وكان مما أسهم في نجاح حملة «تزوير العلم» مشاركة شاب سعودي مبتعث، اسمه عبد الله الشهري من خلال تويتر، فقد بدأ حملة مهنية رائعة على حملة الشهادات الوهمية، فهو يبحث عن الجامعات الوهمية حول العالم، وعن خريجيها من السعوديين، ثم بعد أن يتأكد من المعلومات بشكل صريح، يخاطب الشخص المعني بما يشبه المناصحة، فيسأله بكل أدب، ويطلب منه الاعتراف، والتنازل عن الشهادة، وقد تم إنشاء وسم على تويتر تحت اسم «القائمة البيضاء»، وهو خاص بمن يعترف بشرائه للشهادة، إذ يتم وضع اسمه في هذا الوسم، كعلامة على الندم، وجهود هذا الشاب عظيمة بالفعل، ونتوقع أن تشهد الحملة تطورات كبيرة خلال الفترة المقبلة على المستويين الرسمي والشعبي. إن المسؤول الأول عن مواجهة هذه الظاهرة الخطيرة هي وزارة التعليم العالي الموقرة، التي قامت ببعض الجهود خلال الفترة الماضية، ولكن الجهد الأكبر يقوم به الزميلان الرويلي والشهري، ولذا فإننا نتساءل عما إن كان بالإمكان أن تتعاون الوزارة معهما بشكل رسمي، خصوصا أن ما يقومان به يصب في صميم عمل الوزارة، وهذا النداء نوجهه لرجل التعليم العالي الأول معالي الدكتور خالد العنقري، فهل تتكرم وزارتنا الموقرة بتبني الوسم الأشهر، والأطول عمراً على تويير: «هلكوني». نقلا عن الجزيرة