تخلى خطيب جمعة أحد مساجد حي أم الحمام بالرياض عن التقليدية في خطبته الأسبوعية، ولم يتكلف فيها ولم يضمنها مصطلحات البلاغة من جماليات السجع والطباق كما هو الحال في معظم خطب الجمعة التي يحضرها عامة الناس والوافدون من عرب وعجم فلا يخرجون إلا بفضل مشاركة المسلمين الصلاة. بدأ الخطيب (المختلف) خطبته متحدثا عن صفة الكرم وشأنها العظيم منذ عهود الجاهلية حتى الإسلام، وعرضَ نماذج من الأخلاق الكريمة بين المسلمين، وتطرق لمجموعة من القصص الحزينة لأسر تضررت من تردي الدخل وغلاء المعيشة وارتفاع الإيجارات، واستنهض همم الحاضرين وناشدهم ألا تطغى المادة على المبادئ والقيم، ودعا المقتدرين المؤجرين أملاكهم للرفق بإخوانهم المعوزين من المستأجرين بعدم رفع الإيجارات السكنية، والنظرة لميسرة، والتواصي بدعم المحتاجين من باب التكافل الاجتماعي. وأنهى خطبته بالدعاء لصلاح المسلمين جميعا ولم يختص النساء بهذا الدعاء الذي يتفق عليه معظم الخطباء!! وانفض المصلون وهم يدعون لهذا الخطيب النبيل الذي تحدَّث عن همٍّ يشترك فيه غالب السكان ويكدِّر عليهم صفو حياتهم، حيث يقتص الإيجار معظم الدخل دون بوادر جادة لحل هذه المعضلة الاجتماعية. والجميل ما أفرح به الخطيب جموع المصلين في الجمعة التالية من تفاعل بعضهم مع الخطبة السابقة وإعادة الإيجارات إلى سابق عهدها، وتنازل أحدهم عن إيجار عام كامل مراعاة منه لظرف أحد المستأجرين! ما يسر حقا هو قيام هذا الخطيب بتلك الخطوة الإيجابية لإعادة خطبة الجمعة إلى أصلها، وهو معالجتها لظواهر سلبية أو مشكلات اجتماعية لأهل الحي الواحد والمنطقة السكنية، والتطرق للهموم المشتركة والدعوة للتكاتف بين السكان، بحيث تكون ذات مغزى تحقق الهدف المنشود وهو إيجاد السبل الكفيلة بتخفيف الضغوط السلبية، وترسيخ التكافل الاجتماعي بينهم. وإني لأرتئي أن تتطور الخطبة بحيث تشمل نواح تربوية واقتصادية واجتماعية وحلاً لمشكلات قائمة أو وقاية من أمور لم تقع بعد! نحتاج لخطبة أسبوعية تتطرق لنظافة الحي، وتدعو لترشيد استهلاك الكهرباء والماء وتسربه من البيوت بطريقة غير حضارية! ومحاربة الظواهر السلبية كالتفحيط وإزعاج السكان، ومراقبة البقالات ومقاومة بيع التبغ على الأطفال أو صغار السن، والتبليغ عما يستلفت النظر من حركة غير طبيعية في الحي مما يخل بالأمن أو يشيع الفسق كتصنيع الخمور أو إيواء المخالفين أو تهريب العمالة!! نريد المسجد أن يكون مقاما للعبادة، ومكانا للدعوة للخير والهدى والبر والتقوى، ومنبرا للوعي والإرشاد والتوجيه. ونطمح لمرحلةٍ يعود فيها المصلون من المسجد وقد حملوا بشائر خير لأسرهم، وأخباراً طيبة لأهلهم، وأحاديث شهية يتناولونها مع وجبة غدائهم. فهل يكسر الخطباء المألوف ويكفوّن عن النمطية والجمود وجلد الذات، والترهيب من التغريب وترديد نظرية المؤامرة بأننا مستهدفون ويترصدنا العالم بأسره؟! وهذا العالم يتقدم حثيثا نحو الحضارة، ونحن نمضغ التذمر ونلوك الفشل! نقلا عن الجزيرة