تتفاوت عملية سن الأنظمة (القوانين) واعتمادها من بلد إلى آخر، ففي معظم البلدان تبدأ أولى خطوات العملية من مبادرة مجموعة من أعضاء السلطة التشريعية (مجلس الشورى أو البرلمان) إلى طرح مسودة قانون يلبي حاجة معينة، وتناقش المسودة - تحت القبة - مع الأطراف المعنية إلى أن يتم إقرار القانون رسميا من قبل تلك السلطة، ومن ثم تتولى السلطة التنفيذية مهمة تطبيق هذا القانون. أما في السعودية، فإن الآلية مختلفة تماما، حيث تبدأ من إعداد الجهة التنفيذية (وزارة أو هيئة) لمشروع (مسودة) النظام، ثم ترفعه إلى هيئة الخبراء بمجلس الوزراء، وبعدها يحال مشروع النظام إلى مجلس الشورى، ثم يعاد إلى هيئة الخبراء، ومنها يعرض المشروع على مجلس الوزراء للموافقة، وأخيرا يرفع إلى مقام الملك كي يعتمد النظام بموجب مرسوم ملكي، ليدخل بعد ذلك حيز التنفيذ. غير أن آلية الاعتماد هذه تستغرق مدة طويلة بين ذهاب وإياب تحسب بالأشهر والأعوام، وأوضح لي أحد المستشارين القانونيين أن المعدل الزمني لاعتماد الأنظمة في السعودية يعادل 50 شهرا، لكنني لم أصدقه إلا بعد أن أجريت ''بحثا مصغرا'' يتتبع مدة اعتماد عينة عشوائية من الأنظمة (كما لو أنها معاملة تحال من جهة إلى أخرى). على سبيل المثال، إذا أخذنا مشروعات (1) نظام التمويل العقاري، و(2) نظام مراقبة شركات التمويل، و(3) نظام الإيجار التمويلي، و(4) نظام الرهن العقاري المسجل، نجد أنها خضعت لدراسة هيئة الخبراء ثم أحيلت هذه المشروعات إلى مجلس الشورى الذي أخضعها للدراسة لفترة معينة، حتى اعتمدها في تاريخ 27/06/1429ه، وأحالها إلى هيئة الخبراء التي درستها مرة أخرى، وبعدئذ رفعت المشروعات إلى مجلس الوزراء الذي اعتمدها في تاريخ 12/08/1433ه، أي بعد أكثر من أربعة أعوام من موافقة مجلس الشورى، علما أن موافقة مجلس الوزراء لن ُتدخل الأنظمة حيز التنفيذ، إذ سترفع بعد هذا إلى مقام الملك ليتم اعتماد كل نظام من الأنظمة الأربعة بموجب مرسوم ملكي. لكن بعيدا عن آلية الاعتماد، فإن الحقيقة تقال إن ''هيئة الخبراء'' أدت على مدى 60 عاما دورا مهما وحاسما في صياغة الأنظمة السعودية، وكانت معقلا من معاقل الفكر القانوني والإداري، حيث نفخر أن مستشاريها وضعوا ''بصماتهم'' على كل الأنظمة لدينا، منذ أن كانوا يعملون تحت مظلة ''شعبة الخبراء الفنيين'' ثم ''شعبة الخبراء'' وحتى استقروا في الهيئة بشكلها الحالي، وتقوم الهيئة بعدد من المهام من ضمنها مهام تتعلق بالجوانب التشريعية: (1) تحضير مشروعات الأنظمة، وإعداد الدراسات اللازمة لها، بالاشتراك مع الجهة التي رفعت تلك المشاريع، و(2) مراجعة الأنظمة السارية واقتراح تعديلها. ونظرا لأن السلطة التنفيذية (مجلس الوزراء) تمارس دورا محوريا في سن الأنظمة (من خلال الجهة التنفيذية المعدة لمشروع النظام وهيئة الخبراء التي تدرس المشروع)، ونظرا لأن السلطة التنظيمية/التشريعية (مجلس الشورى) حملت عبء مراجعة تلك الأنظمة وتفسيرها ومناقشة التقارير السنوية للجهات التنفيذية، فإننا نقترح - من منظور تنظيمي وإداري – أن يتم نقل ''هيئة الخبراء'' بكوادرها الاستشارية والإدارية من ''مجلس الوزراء'' إلى ''مجلس الشورى''، مع فكرة تعيين كبار مستشاري الهيئة أعضاء في مجلس الشورى، على أن ينقل إداريوها إلى المجلس بوظائف إدارية مماثلة، علما أن نقل الهيئة إلى مجلس الشورى سيكفل – من وجهة نظري - تحقيق مجموعة من المزايا من ضمنها: 1.تنظيم الاختصاصات بين السلطة التنفيذية (مجلس الوزراء) والسلطة التشريعية (مجلس الشورى)، وفق النظام الأساسي للحكم، الصادر بموجب الأمر الملكي ذي الرقم أ/90، وتاريخ 27/8/1412 ه، في عهد الملك فهد بن عبد العزيز - رحمه الله - بحيث تركز السلطة التنفيذية على فرض وتفعيل الأنظمة enforcement، وتركز السلطة التشريعية على سن الأنظمة وتعديلها وفق مصلحة البلد. فالجهات التنفيذية يجب أن تتوقف عن ''التشريع'' الذي أدى إلى ظهور مشكلات عديدة في القطاع الحكومي، منها أن الأنظمة تُصاغ من وجهة نظر الجهة المكلفة بتطبيق هذا النظام، وهذا يعني أن الجهة الحكومية (وزارة أو هيئة) قد تسعى إلى سد كل ''الثغرات'' ومراعاة جميع ''الحالات'' التي تكفل حقوقها وتحصن نفسها إذا كانت في مواجهة مع المواطن (إذا كان عميلا أو مقاولا)، فهي الحكم والخصم، بل إن الجهة الحكومية قد تضع شروطا - تعجيزية في بعض الأحيان - إذا أراد عملاؤها ومقاولوها أن يحصلوا على حقوقهم المشروعة. 2. تغيير وتسريع آلية سن الأنظمة وتعديلها ومراجعتها، فبدلا من أن تجري ''آلية التشريع'' عبر مسار يستغرق الوقت والجهد (الجهة التنفيذية - مجلس الوزراء (هيئة الخبراء) - مجلس الشورى - مجلس الوزراء (هيئة الخبراء) - مقام الملك)، تتم الآلية بمسار يختصر الجهد والزمن يبدأ من مجلس الشورى وينتهي عند مقام الملك دون الحاجة إلى أن تمر العملية على مجلس الوزراء (هيئة الخبراء) أو الجهات التنفيذية المكلفة بتطبيق الأنظمة. 3.مزج مجلس الشورى بخبرات إدارية وقانونية إضافية تعزز من قوته ''التشريعية''، وتضيف له بعدا جديدا عند سن الأنظمة وتعديلها. من جهة أخرى، لو تم النظر في هذا المقترح، فمن المحبذ إبقاء عدد محدود من مستشاري ''هيئة الخبراء'' في مجلس الوزراء ليتمكنوا من أداء المهام الاستشارية ''غير التشريعية''. عن الاقصتادية