أظهرت خطة التنمية التاسعة أن 70 في المائة من الطلب على الوحدات السكنية الجديدة خلال سنوات الخطة يتركز في المدن والمراكز الحضرية الكبرى. وقد أظهر التعداد السكاني للمملكة لعام 1431ه أن إجمالي سكان 23 مدينة من المدن السعودية الكبرى التي تمثل عواصم المناطق ال 13 في المملكة، إضافة إلى عشر مدن أخرى يتجاوز حجم سكان كل منها (200 ألف نسمة)، يبلغ (63 في المائة) من إجمالي سكان المملكة، وهو الأمر الذي يعني أن هذه المدن ال 23 تحتضن ثلثي سكان المملكة تقريباً. ولكن الارتفاع الحاد في أسعار الأراضي السكنية في تلك المدن جعل تكلفة شراء الأراضي الكبيرة أو البناء عليها تفوق إمكانات الغالبية العظمى من الأسر، خصوصاً أنه قد بلغت تكلفة الأرض السكنية في بعض المدن نصف تكلفة المسكن أو أكثر من النصف، نظراً لكبر مساحة القطع السكنية وارتفاع تكلفة المتر المربع منها. وقد سبق أن كتبت في هذه الزاوية أدعو إلى تبني بناء الوحدات السكنية المصفوفة (المتلاصقة من الجانبين)؛ بصفتها بديلاً يلائم متطلبات الأسرة السعودية ويتوافق مع إمكاناتها المالية، فهي مساكن صغيرة تحقق استقلال الأسرة بشكل كامل في التملك والاستخدام والعناية والصيانة، ولكن جعل المساكن المصفوفة واقعاً في السوق يتطلب إيجاد الإطار العام من التنظيمات التي تسمح بظهورها (والمشتمل على: إلغاء اشتراط العرض الإلزامي لواجهة قطعة الأرض السكنية على الشارع، وكذلك إلغاء اشتراط ضرورة ارتداد الوحدة السكنية من الجانبين). ولعدم توافر مثل هذه النوعية من المساكن فإن كثيراً من الأسر الراغبة في امتلاك المسكن، وبالذات المستفيدين من قروض صندوق التنمية العقارية لن يجدوا أمامهم غير الشقق السكنية بديلاً يتوافق مع مقدرتهم المالية. ولكن أكثر المواطنين لا يحبذون - لأسباب اجتماعية – السكن في الشقق السكنية أو غيرها من الوحدات التي تقام في المباني السكنية ''متعددة الأسر''، لتجنب المضايقات التي قد تصدر من بعض الجيران – الذين لا يحترمون حق الجيرة - عند استخدام المدخل وفراغات الحركة الأفقية والرأسية المشتركة، وتحمّل الضوضاء والضجيج الذي قد يصدر منهم، وكذلك لتجنب مشكلات تسرب مياه دورات المياه أو المطابخ. إضافة إلى ذلك يحرم سكان الشقق من الحدائق والفراغات الخارجية، وتستمر معاناتهم مع مواقف السيارات. ويلزم للتغلب على هذه المشكلات العناية بتعديل ضوابط البناء والسماح بتصميم وتنفيذ ما يسمى بالشقق السكنية الحدائقية، وهي التي تُجمع عادة حول فناء مفتوح، وتتميز بمداخل مستقلة على الشارع لكل وحدة سكنية، وتحتل الشقة دوراً واحداً أو دورين. ومتى ما عدلت ضوابط البناء لظهور هذا النوع من الشقق فإنه يتعين كذلك إقامة المسابقات المعمارية لها وتخصيص جوائز سنوية لأفضل الشقق الحدائقية المنفذة، بهدف حث المطورين والمعماريين على العناية بتقديم حلول ومعالجات معمارية لشقق سكنية ميسرة التكلفة وتحقق في الوقت نفسه رغبة الأسر السعودية في استقلالية المدخل الخارجي وعدم مشاركة السكان الآخرين في فراغات البهو والحركة، وتوفر لكل أسرة من سكان تلك الشقق حديقة خاصة أو فراغاً خارجياً مستقلاً تتمتع فيه الأسرة بالخصوصية المطلقة بعيداً عن أعين المتطفلين ومضايقاتهم، وتوفر لكل رب أسرة موقفاً خاصاً لسيارته، يجنبه معاناة البحث عن موقف لسيارته في مكان بعيد أو الوقوف بشكل غير نظامي على حافة أرصفة جزر وسط الشوارع. نقلا عن الاقتصادية