لم أعتد طيلة أيام حياتي المهنية وعلى مدى أربعين سنة، الكتابة عن الدول أو عن قادتها باستثناء مرة واحدة كانت عام 1975 عندما عدت من زيارة لسورية بعد دعوة كريمة من اتحاد الصحافيين السوريين، فكتبت موضوعا بعنوان "سبعة أيام في سورية" تحدثت عن حجم الإنجاز الذي تحقق فيها آنذاك .. لكنني هذه المرة سأخرق سُنتي التي اعتدتها لأكتب عن المملكة العربية السعودية الشقيقة، تلك الدولة التي تشق طريقها الريادي المميز بين الدول بحنكة ومرونة وهدوء يُثير الإعجاب، يعُز نموذجه على كثير من الدول في شرق العالم وغربه. ثلاثة أسباب جعلتني أكتب ما أنا فاعله، أولها .. مواقف خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز النبيلة من الأردن التي وصفها جلالة الملك عبد الله الثاني بالمواقف المشرفة وأنها نتاج الرؤية الحكيمة لخادم الحرمين، وإدارته "القادرة على فعل الخير في خدمة الأمة كلها، دعما للصمود، وضمانا لاستمرار الحياة الكريمة، وتأسيسا لحالة من التضامن الحقيقي بين الإخوة". ولما رد به سريعا الملك عبد الله بن عبد العزيز ليؤكد أن "ما يجمع بيننا لا يمكن أن تختزله الكلمات، أو أن تؤثر فيه تداعيات هنا أو هناك، عصفت وتعصف بالمنطقة. إن ما قمنا به لا يخرج عن مفهوم الواجب، ولا تأويل له غير هذا المفهوم، فالمصير الواحد المشترك هو الفيصل في روابط الأخوة والصداقة، هكذا نرى أنفسنا في السعودية مع أشقائنا في الأردن، فما يؤثر فيكم يؤثر بنا، لذلك تأتي مواقفنا استجابة لهذه الرؤية الثابتة" .. لقد لخص العاهل السعودي في جملتين متانة العلاقة التاريخية والأبدية بين المملكتين الشقيقتين وبين قيادتيهما وشعبيهما بما لا يدع مجالا لأحد للاجتهاد أو تأويل سر هذه العلاقة المتجذرة الراسخة التي لم تبدأ اليوم ولن تنتهي بطبيعة الحال غدا. وهذا ليس غريبا على السعودية، فمن يتتبع مواقفها ويرصد ما تقوم به يلمس دون عناء ما تقدمه للأمتين العربية والإسلامية على حد سواء، بل يمتد نفيل عملها إلى دول وشعوب عدة في معمورة الأرض. في التاسع عشر من الشهر الجاري أقام سفير المملكة العربية السعودية فهد بن عبد المحسن الزيد حفل استقبال في أحد فنادق عمان احتفاء باليوم الوطني للمملكة، وهو أمر طبيعي درج عليه سفراء مختلف الدول، لكن غير الطبيعي في الأمر ذلك الحشد الضخم من البشر الذي شهد الحفل ومثََل شرائح المجتمع الأردني كافة الرسمي منها والأهلي على حد سواء، ما يعكس جليا المحبة المتبادلة والروابط القوية بين شعبي البلدين الشقيقين .. أما ثاني الأسباب أتي دفعتني للكتابة فإعجابا بما تبذله المملكة الشقيقة خدمة لضيوف الرحمن حجاجا ومعتمرين، وقد كنت هناك قبل أشهر ولمست ذلك بنفسي، فما إن ينتهي مشروع إلا ويبدأ آخر لييسر مهمة ضيوفها الذين يتزايدون كل موسم وليرفع عنهم عناء السفر ليتذوقوا حلاوة العبادة وأداء المناسك والفرائض برعاية كريمة وحدب دافئ من آلالف الموظفين والمسؤولين الذين جُندوا لخدمتهم وتذليل الصعاب أمامهم، وفي أجواء من الطمأنينة والأمن والاستقرار الذي يكتنف المملكة أينما ذهب زائرها أو مواطنها. وثالث الأسباب قرار خادم الحرمين التاريخي الجريء الذي جاء في موعده ووقته لينصف المرأة السعودية بإعطائها حق المشاركة في عضوية مجلس الشورى وحق التصويت والترشح لعضوية المجالس البلدية، وهو قرار يتسم بالحكمة ويلبي احتياجات ملحة في المجتمع السعودي في مقدمتها رفض تهميش دورها، ومشاركتها في اتخاذ القرارات بعد أن أخذت تنافس الرجل في مهن كثيرة وتتبوأ مناصب ومهام عديدة، وأسهم في ذلك تزايد أعداد الجامعيات والمتعلمات عبر مسيرة البناء في المملكة. صحيح إنها خطوة طال انتظارها .. لكن المهم أن الفكرة عندما نضجت وجدت طريقها إلى حيز التنفيذ وستفتح - بإذن الله - مجالات عديدة أمامها مستقبلا وفق منظومة المجتمع السعودي العربي المسلم.. والله من وراء القصد. نقلا عن الاقصتادية