قبل سنوات قليلة وخلال رحلة علمية في إحدى الدول الأوروبية، طلب مني مشارك صيني أن يلتقط لي صورة، عندما سأل عن جنسيتي وذكرت له أني سعودية. يقول إنه لم يظن أنه سيعيش ليقابل امرأة سعودية، حيث قرأ عنها كثيرا، بعضه معقول ومعظمه أشبه بالأساطير. إلى وقت قريب كانت المرأة السعودية نقطة جذب للإعلام الخارجي الذي استخدمها سلاحا ضد ثقافة المملكة الدينية والاجتماعية، وعلى الرغم من أن ما قيل عنها عسل مخلوط بالسم، فإنه ترك تساؤلات كثيرة حول الدور المعطل للمرأة السعودية في دولة يتطور فيها كل شيء؛ التعليم والخدمات والعمران وحتى السياحة، إلا وضع المرأة، وكأنها في منطقة حظر محاطة بسياج كهربائي معلق عليه صورة جمجمة. ومع كل ما قيل ويقال عن المرأة السعودية كان وضعها الاجتماعي والوظيفي والتعليمي واضحا، لا يحتاج للغرباء لتسليط الضوء عليه، لأنها تعيشه يوميا في قضاياها المعلقة في المحاكم، ومحدودية التخصصات التي يمكن أن تدرسها، وفي فرصها الوظيفية الضئيلة خارج سلك التعليم، حتى إن السماح لها ببيع مستلزمات نسائية موضوع شائك تطلب النقاش حوله لسنوات. قضايا كثيرة تستحق الوقوف عندها ونقاشها وإيجاد حلول لها من السلطة التشريعية، ليس للظهور أمام الآخرين بمظهر التحضر والفهم الخلاق لحقوق الإنسان، بل لأجل بلد تعطل فيه أحد جناحيه عقودا طويلة، ولأجل أن تحيا المرأة بذاتها حياة سوية طبيعية، لها حقوق لا تقل عن حقوق الرجل، وعليها واجبات مطالبة كما الرجل بأدائها، كما كفلها التشريع الإسلامي. شخصيا، لم تكن مفاجأة لي أن قرر العاهل السعودي القرار التاريخي العظيم بأحقية المرأة السعودية في عضوية مجلس الشورى، وإتاحة الترشيح والاقتراع في المجالس البلدية وفق الضوابط الشرعية، هذا النوع من القرارات هو جزء من قراءة السعوديين لشخصية الملك، الذي أصبحت قراراته مثارا للترقب، لأنهم يعلمون أنها إشارات للخير والإصلاح. الملك عبد الله الذي عاب على علم الطب أن أطلق اسم «عرق النسا» على المرض الشهير المسبب لآلام الظهر، لأن رأيه أن النساء لا يأتي منهن إلا كل خير.. هذا النوع من التقدير التلقائي العميق، والصادق، والحاني للمرأة كان ينتظر منه قرارات عملية تضعها موضع المسؤولية من منطلق ثقة. قد تكون الأخوات في دول الخليج سبقن السعوديات في المجالس النيابية، بحكم اختلاف الأنظمة والظروف، ولكن الحقيقة أنه في كل مرة تدخل الكويت أو البحرين فترة الانتخابات، كان يسوءني اللغط والشد والجذب غير المبرر في النقاش حول أحقيقة المرأة في ترشيح نفسها، أو استبعاد حصولها على مقعد، أو التشكيك في أدائها بعد فوزها المستحق. هذه وإن بدت أجواء الجدل الديمقراطي، إلا أنها جانب أسود يشوه معنى التنافسية المحترمة في مشاركة المرأة، التي اضطرت إلى أن تتحول إلى لبؤة حتى تستطيع أن تنافس الرجل، أو تثبت له أنها لا تقل عنه كفاءة. إن خلق الأجواء التنافسية من خلال الانتخابات أو المسابقات أو التصنيفات، أو غيرها من الأنظمة التفاضلية، تحيي الرغبة في البذل وتوقد العزيمة في تحقيق الإنجاز، لذا ستدخل السعوديات مجلس الشورى منافسات قويات في الطرح والنقاش وقوة الحجة. ربما سيخسر الشورى جزءا من هدوئه ولونه الواحد، ولكنه بالتأكيد سيكسب تنوعا سيشكل إضافة نوعية في طبيعة المواضيع وطريقة الطرح. بقي أن أنصح الواعدات اللواتي يعتزمن التقدم بالخطوة الأولى في هذا الفتح التاريخي، بألا يقعن في فخ احتكار قضايا المرأة، صحيح أنها فرصة كبيرة أن تحامي عن أختها المرأة في قضاياها المؤجلة أو المخفية، وتجعلها على طاولة التداول، ولكن عليهن الحذر من مقولة إن قضايا المرأة لا يفهمها إلا المرأة، هذه بدعة لتحجيم دورها وتسخيرها لموضوع واحد. السيدة عضو مجلس الشورى يجب أن يكون لها موقف ورأي في كل القضايا الاقتصادية والسياسية والتعليمية والاجتماعية، ولا ترضى بأن يوضع أمامها نصيب مقدر من قضايا المجلس وتحرم من تذوق بقية النكهات، ولتتذكر دائما أنها تحت قبة أعلى سلطة تشريعية في البلاد، ليس لأنها امرأة، بل لأنها تملك عقلا ورؤية وضميرا يرجى نتاجه. نقلا عن الشرق الاوسط السعودية